مدينة أسيوط، التي كانت دائمًا منارة في صعيد مصر، تعيش اليوم على حافة كارثة حقيقية. المياه، شريان الحياة، انقطعت عن أحياء المدينة لأيام متواصلة، والأهالي يعانون تحت وطأة تجاهل واضح من المسؤولين.
التساؤلات بدأت تتصاعد، من يتحمل مسؤولية ما يحدث في أسيوط؟ من المسؤول عن تعطيل إمدادات المياه التي يعتمد عليها الآلاف في حياتهم اليومية؟ هل هي أزمة عابرة أم بداية لانهيار شامل في البنية التحتية؟
مصادر مطلعة كشفت أن رئيس شركة مياه الشرب والصرف الصحي بأسيوط والوادي الجديد قد يكون قريبًا من فقدان منصبه، بعد فشله في إدارة الأزمة الأخيرة المرتبطة بتسريبات خط الطرد.
تلك التسريبات لم تكن مجرد حادث عابر، بل كانت مؤشرًا على فشل هيكلي أكبر يضرب قلب المدينة.
الموقف الذي كان من الممكن تجنبه بالعمل الجاد والوقاية، تحول إلى كارثة تهدد حياة الناس وأمنهم. لكن الحقيقة الأشد مرارة أن هذه الكارثة لم تكن مفاجئة، بل جاءت كنتيجة مباشرة لإهمال دام سنوات.
في وسط هذا الفشل الذريع، يتساءل المواطنون عن دور نواب البرلمان والمسؤولين المحليين.
لماذا يظهرون فقط أمام الكاميرات لالتقاط الصور وتقديم مشاهد زائفة للإنجازات؟ أين كانوا قبل أن يحدث الانفجار؟
وأين كانت خطط الوقاية التي من المفترض أن تضمن استقرار حياة الناس؟ الانفجار الذي حدث لم يكن مجرد حادث عارض، بل كان تتويجًا لتراكمات من الإهمال وسوء الإدارة.
الحقيقة الصادمة هي أن أسيوط لم تكن تعاني فقط من أزمة المياه، بل الوضع أعمق وأخطر. البنية التحتية للمحافظة في حالة يرثى لها.
خطوط المياه والصرف الصحي القديمة لم تعد قادرة على تحمل الضغط المتزايد نتيجة للنمو السكاني السريع والتوسع العمراني غير المدروس.
وأصبح من المعتاد رؤية مواسير المياه تنفجر وتسيل مياه الصرف الصحي في الشوارع، مما يتسبب في كوارث بيئية وصحية تهدد السكان. هذا الانفجار الأخير هو نتيجة طبيعية لعقود من الإهمال والفساد الذي تفشى في المؤسسات الحكومية.
لكن الأمر لا يقتصر فقط على المياه. حالة النظافة العامة في أسيوط تزداد سوءًا يومًا بعد يوم. القمامة تملأ الشوارع، والحشرات والقوارض تتكاثر.
المواطنون يشعرون أنهم يعيشون في بيئة غير صحية تمامًا، وكأن حقوقهم في الحصول على خدمات أساسية مثل النظافة والمياه قد تم تجاهلها بالكامل. وحتى الآن، لا يوجد أي إجراء جاد من قبل الجهات المسؤولة لحل هذه المشكلة.
إضافة إلى ذلك، حالة المرور في المدينة أصبحت كارثية. الشوارع متهالكة ولا توجد خطط واضحة لتحسين الوضع.
الازدحام المروري أصبح سمة يومية، وحوادث السير تزداد بشكل مستمر، مما يزيد من معاناة المواطنين الذين يشعرون بالعجز أمام هذا الفشل الواضح في الإدارة.
ورغم كل هذه المشكلات، يبدو أن المسؤولين مشغولون فقط بإصلاح العطل بعد وقوعه والتقاط الصور لإظهار أن الأمور تحت السيطرة، بينما الحقيقة أن الأمور تسير من سيئ إلى أسوأ.
الانفجار الأخير الذي وقع في خطوط المياه والصرف الصحي لم يكن سوى القشة التي قصمت ظهر البعير.
الأهالي يشتكون من انقطاع المياه لأيام طويلة، وهم مضطرون للجوء إلى حلول مؤقتة وغير آمنة للحصول على المياه.
ومع كل يوم يمر دون حل جذري، يزداد الغضب بين السكان، الذين يشعرون بأنهم تم التخلي عنهم. ولعل السؤال الأكبر الذي يتردد على ألسنة الجميع هو: إلى متى ستظل أسيوط تعاني؟
ورغم كل هذه الكوارث، لا يبدو أن هناك أي محاولات جادة من قبل المسؤولين لاتخاذ خطوات استباقية. الوقاية تكاد تكون غائبة تمامًا عن ذهنهم.
فبدلاً من اتخاذ إجراءات لمنع وقوع الكوارث، يبدو أنهم يفضلون الانتظار حتى يحدث الأسوأ، ثم التحرك بشكل بطيء وغير فعال. وهذا ما يزيد من معاناة السكان الذين يجدون أنفسهم في مواجهة مصير مجهول.
الأزمة التي تمر بها أسيوط الآن تفتح الباب على مصراعيه لمناقشة أكبر وأعمق حول وضع الإدارة المحلية في مصر.
كيف يمكن لمسؤولين أن يستمروا في مناصبهم وهم فاشلون في إدارة الأزمات؟ لماذا لا توجد رقابة حقيقية على الأداء؟ وكيف يمكن للفساد وسوء الإدارة أن يستمر دون محاسبة؟ هذه الأسئلة تحتاج إلى إجابات، وليس مجرد وعود فارغة.
في النهاية، الشعب هو من يدفع الثمن. أهالي أسيوط يعيشون في خوف دائم من انفجار جديد أو أزمة أخرى. وهم يشعرون بالعجز واليأس أمام تجاهل المسؤولين لمطالبهم وحقوقهم الأساسية.
لقد وصلت الأمور إلى مرحلة لم يعد فيها الصبر خيارًا. وإذا لم يتحرك المسؤولون بسرعة لحل هذه الأزمة والقيام بإصلاحات جذرية، فإن أسيوط ستظل تعاني لسنوات قادمة.
الأمر يتطلب تحركًا عاجلاً، وليس مجرد قرارات شكلية. يجب أن تكون هناك مساءلة حقيقية للمسؤولين عن هذه الكوارث، ويجب على الحكومة أن تتدخل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.