عاصفة قانونية تهدد حقوق الإنسان في مصر
في ظل تصاعد القلق الدولي حول حقوق الإنسان، تبرز دعوات ملحة من منظمات رائدة مثل منظمة العفو الدولية وديغنيتي وهيومن رايتس ووتش ولجنة الحقوقيين الدولية،
تطالب مجلس النواب المصري بالتصدي لمشروع قانون الإجراءات الجنائية الذي يلوح في الأفق. إذا ما تم اعتماده، فسيؤدي هذا المشروع إلى تفاقم الأزمة الحقوقية التي تعاني منها البلاد، ويعزز من سلطة الأجهزة الأمنية التي تُمارس الانتهاكات بلا رادع
سعيد بن عربية، مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في لجنة الحقوقيين الدولية، أبدى استياءه الشديد من الممارسات التشريعية الحالية، قائلاً إن المشرعين المصريين يفضلون إعادة إنتاج نفس السياسات التي ساهمت في انتهاكات حقوق الإنسان.
إن مشروع القانون الجديد يتجاهل تماماً النداءات الملحة للضحايا وممثلي المجتمع المدني، وهو بمثابة إهانة لجميع التضحيات التي بُذلت في سبيل الحوار الوطني المزعوم.
الحكومة المصرية تقدمت بمشروع قانون الإجراءات الجنائية الذي تم مناقشته في لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية بمجلس النواب، ووافق عليه بأغلبية، وكأن الأمر لا يعدو كونه إجراءً روتينياً.
إن مشروع القانون المقترح يحمل في طياته تهديداً واضحاً لحقوق المتهمين، فهو يفتقر إلى المعايير الدولية المعترف بها ويعزز من ممارسات الحبس الاحتياطي التعسفي التي تُستخدم بشكل واسع لقمع المعارضين.
بحسب محمود شلبي، الباحث في منظمة العفو الدولية، فإن هذا المشروع لن يؤدي سوى إلى تفاقم الانتهاكات بحق المتهمين قبل المحاكمة وأثناءها.
فبدلاً من ضمان حقوقهم، يعمد المشروع إلى تقليص فرص المثول أمام قاضٍ خلال فترة زمنية معقولة. كما يُفوض للنيابة العامة اتخاذ قرارات حاسمة بشأن الاستماع إلى شهود الدفاع، مما يعيق تحقيق العدالة ويقوض من حقوق الدفاع.
التعديلات المقترحة تشير بوضوح إلى تآكل استقلالية القضاء وسيادة القانون في مصر، حيث تم تقويض تلك الضمانات بشكل ممنهج على مر السنين.
منذ عام 2013، أصبحت السلطات تستخدم القضاء كأداة للقمع، في الوقت الذي تُظهر فيه تجاهلًا تامًا لحقوق الإنسان والمعايير الدولية.
وعلى الرغم من أن بعض بنود المشروع قد تبدو وكأنها تحسن من وضع الحبس الاحتياطي، إلا أن الفترات الجديدة المقترحة ستظل طويلة وغير مناسبة،
ولن تحد من سلطات المدعين العامين في تمديد الحبس التعسفي. هذا الوضع ينذر بكارثة جديدة، حيث يُعاني العديد من السجناء من ظروف احتجاز قاسية تتجاوز الحدود الأخلاقية والإنسانية.
الأحكام الجديدة تقترح أيضًا توسيع استخدام تقنيات مثل “الفيديوكونفرنس”، مما يقوض ضمانات المحاكمة العادلة ويمنع القضاة من تقييم حالة المتهمين بشكل ملائم.
إن هذا الأسلوب يحرم الضحايا من حقوقهم الأساسية ويزيد من فرص تعرضهم لانتهاكات إضافية، مما يساهم في تفشي ثقافة الإفلات من العقاب.
كما يتضح من تصريحات غرانت شوبين، المستشار القانوني في ديغنيتي، فإن المشروع لا يعالج بشكل جاد إساءة استخدام الحبس الاحتياطي، بل يُعد أداة تعزز من التعسف في استخدامه. إن إصرار الحكومة المصرية على المضي قدمًا في هذا المشروع يدل على مدى انحرافها عن القيم الأساسية لحقوق الإنسان.
النداء واضح من المنظمات الحقوقية: يجب على السلطات المصرية إسقاط مشروع القانون الحالي وإعداد تشريع يتماشى مع المعايير الدولية. يجب أن يتم ذلك من خلال مشاورات صادقة وشفافة مع المنظمات غير الحكومية والخبراء المستقلين. إن الاستجابة لهذه الدعوات تمثل فرصة حقيقية لإعادة الاعتبار لحقوق الإنسان في مصر ولتأسيس نظام قانوني يحترم كرامة الإنسان.
في خضم هذه الأجواء القاتمة، يُظهر العالم أن هناك انتهاكات مستمرة وخطيرة تتطلب تدخلاً عاجلاً من المجتمع الدولي. إذ لا يمكن ترك الأمور تسير في هذا الاتجاه المظلم، بينما تُغتال حقوق الإنسان بشكل متكرر، بل يجب علينا جميعًا العمل على تغيير هذا الواقع المرير، ورفع الصوت عالياً ضد كل أشكال الانتهاكات.
تتجلى التحديات الحالية في هذا المشروع القانوني بوضوح، إذ أنه يعكس ببساطة عدم اكتراث السلطات بمصير مواطنيها. إن البقاء في دائرة الصمت والمراقبة لن يغير شيئًا، بل يجب على الجميع أن يتحركوا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من مستقبل حقوق الإنسان في مصر.