إنقاذ التراث الموسيقي المصري قبل فوات الأوان: الكارثة قادمة
في خطوة جريئة تبرز حجم الكارثة الثقافية التي تهدد التراث الموسيقي الشرقي القديم، أعلن الباحث الدكتور عصمت النمر، أحد أبرز الاستشاريين في مجال الجراحة العامة ورئيس قسم الجراحة السابق في مستشفى الزقازيق،
عن بيع أرشيفه الموسيقي الضخم الذي يحتوي على أكثر من 100 ألف ملف موسيقي يتضمن كنوز الطرب الشرقي القديم وتلاوات قرآنية نادرة، بالإضافة إلى تسجيلات لكبار المشايخ والأعمال الفنية التي تعود لنهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين.
قضى الدكتور النمر ما يقارب 50 عاماً من حياته في جمع وتصنيف وتحويل هذه الكنوز الفنية إلى ملفات رقمية، في محاولة للحفاظ على هذا التراث الثمين.
لكن اليوم، يجد نفسه مضطراً للإعلان عن بيع هذا الأرشيف النفيس بسبب ظروفه المادية والصحية الحرجة، مما يجعله ضحية للعوز وفقدان الأمل في الحفاظ على تراث بلاده. لقد بدأ بالفعل ببيع مكتبته التراثية التي تضم أكثر من 4000 كتاب نادر، والآن جاء الدور على صوته الفني.
تسعى مجموعة من المقتنيات النادرة، ومنها تسجيلات غير متاحة إلا في هذا الأرشيف، إلى إلقاء الضوء على جزء من تاريخ الثقافة المصرية.
رغم تلقي الدكتور النمر عروضاً مغرية لشراء أرشيفه من دول مثل السعودية والإمارات وقطر، إلا أنه يفضل بيع تراثه داخل مصر إلى جهات حكومية، أملاً في الحفاظ عليه من النسيان أو التهريب إلى الخارج.
ومع ذلك، فإن العروض التي تلقاها من وزارة الثقافة المصرية، والتي لم تتجاوز قيمتها 200 ألف جنيه وراتب شهري للإشراف على الأرشيف، جاءت خالية من الجدية، مما يزيد من حالة الإحباط التي يعيشها.
العرض الآخر من قناة وثائقية مقابل 2 مليون جنيه لم يتحول بعد إلى خطوات عملية، مما يعكس الفوضى البيروقراطية التي تسود المؤسسات الثقافية.
من جانبه، أطلق الدكتور النمر راديو “مصر فون” الإلكتروني، الذي يبث مختارات من أرشيفه بناءً على رغبات المستمعين، محاولاً الحفاظ على جزء من تراثه، لكنه يدرك تماماً أن المستقبل القريب قد يشهد تفكك هذا التراث إذا لم يتم إنقاذه.
الأمر لا يتوقف هنا، فقد أطلق نشطاء حملة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بدعوة من الكاتبة إكرام يوسف، لإنقاذ هذا الأرشيف.
تدعو الحملة إلى تشكيل لجنة من خبراء وفنانين وقانونيين للإشراف على مشروع “الاكتتاب الشعبي” لشراء الأرشيف، حتى لا يتم بيعه لأي جهة خارجية. هذا النداء يعكس الوعي الجماهيري بأهمية هذا التراث، ولكن تبقى المشكلة قائمة: من سيتولى إدارة الأرشيف بعد شرائه؟
يشمل الأرشيف تسجيلات نادرة لمجموعة من عمالقة الفن المصري، مثل الشيخ إمام وأحمد فؤاد نجم، فضلاً عن مئات من السيديهات والشرائط الكاسيت، مما يجعله كنزاً ثقافياً لا يقدر بثمن.
يتضمن الأرشيف أعمال الفنانين الكبار مثل منيرة المهدية وأم كلثوم وسيد درويش، ليكون شاهداً على عراقة الفنون الموسيقية.
تتضمن هذه الكنوز أيضاً تسجيلات نادرة لأعمال متعددة، بدءاً من موشحات صالح عبد الحي، مروراً بأعمال عبده الحامولي، وصولاً إلى أغاني ليلى مراد ومحمد عبد المطلب، مما يجعل هذا الأرشيف سجلاً حياً لتاريخ الموسيقى المصرية. ومع ذلك، فإن مستقبل هذه الكنوز يظل مجهولاً، مما يستدعي تدخلاً سريعاً لإنقاذها من مصير مجهول.
إذا استمر الوضع على ما هو عليه، فإننا قد نشهد فقدان جزء كبير من هويتنا الثقافية، الأمر الذي يجعل من الضروري أن تتضاف الجهود الشعبية والرسمية لإنقاذ هذا التراث.
إن التراث الموسيقي ليس مجرد مجموعة من التسجيلات، بل هو تجسيد لروح الشعب وتاريخه. والوقت يمر، ولا يمكن لنا أن نتحمل رؤية كنوزنا تُباع أو تُفقد للأبد.
لقد آن الأوان للتحرك بجدية لإنقاذ ما تبقى من هذا الأرشيف، فكل دقيقة تمر قد تعني فقدان جزء من هويتنا الثقافية.
وفي هذا السياق، يجب على الجهات الرسمية والشعبية توحيد جهودها لمواجهة هذه الأزمة وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، حتى لا نصبح في يوم من الأيام نندب حظنا ونتذكر ما كان لدينا من تراث جميل لم نقدر على حمايته.