تقارير

أزمة الغاز الطبيعي: انهيار سوق الأسمدة يهدد الأمن الغذائي في مصر

في مشهد مثير للقلق يسيطر على القطاع الزراعي المصري، تبرز أزمة الغاز الطبيعي كعامل محوري في نقص كميات الأسمدة اللازمة للإنتاج الزراعي.

فالغاز الطبيعي ليس مجرد مصدر طاقة، بل هو المكون الرئيسي في إنتاج الأسمدة، حيث يُعزى له نحو 60% من التركيبة الكيمائية لهذه المنتجات.

ولكن مع تراجع إمدادات الغاز، باتت الشركات تواجه صعوبات جسيمة، مما ينعكس بشكل كارثي على المزارعين والأسواق.

فقد شهدت مصر في الآونة الأخيرة عجزًا ملحوظًا في إنتاج الأسمدة، بلغ حوالي 40% خلال شهرين فقط. ارتفعت أسعار الشكارة الواحدة من 310 جنيهات إلى 1300 جنيه،

وهو ما يشير إلى زيادة بنسبة 85% في السوق الحر. ووفقًا للتقارير، وصل سعر الطن إلى 20 ألف جنيه في وقت تقدر فيه تكاليف الإنتاج بـ4800 جنيه. هذا الأمر يُنذر بكارثة حقيقة للمزارعين وللاقتصاد الزراعي ككل.

تأتي الضغوط على الإنتاج في ظل فرض الدولة على مصانع الأسمدة توريد 55% من إنتاجها بسعر مدعم إلى وزارة الزراعة لتلبية احتياجات السوق المحلي.

لكن وبسبب نقص الغاز الطبيعي، تعاني المصانع من صعوبات في الإنتاج، مما يؤدي إلى نقص حاد في الأسمدة المتاحة للمزارعين. وبما أن تلك المصانع مُجبرة على تلبية احتياجات وزارة الزراعة، نجد أن بعض الشركات تفضل تصدير إنتاجها بدلاً من بيعه في السوق المحلي.

صوت الفلاحين: تحذيرات من الكارثة المقبلة

نقيب الفلاحين حسين أبوصدام، يُحذر من أن استمرار هذه الأزمة قد يفضي إلى موسم شتوي تتصاعد فيه الأسعار إلى مستويات فلكية.

إذ يؤكد أن نسبة العجز في الأسمدة المدعمة لا تزال تصل إلى 30%، حتى بعد ضخ كميات كبيرة، وهو ما ينذر بارتفاع تكاليف المنتجات الزراعية بشكل غير مسبوق.

ويعزو أبوصدام ذلك إلى انقطاع الغاز الطبيعي، مما يهدد بوقف إنتاج بعض المصانع بشكل كامل. كما يُشير إلى أن القطاع الزراعي يحتاج إلى حوالي 8 ملايين طن من الأسمدة سنويًا، بينما لا تُنتج المصانع إلا 13 مليون طن، مما يؤدي إلى عجز يُجبر المزارعين على التوجه إلى السوق السوداء.

الأسواق خارج السيطرة

يُعبر محمود أحمد خبير زراعي عن قلقه بشأن عدم قدرة الحكومة على فرض الرقابة اللازمة على الأسواق. فبسبب توقف المصانع لفترات طويلة، ارتفعت أسعار الأسمدة بشكل غير منطقي، مما جعل الفلاحين في موقف لا يُحسد عليه.

في ظل هذه الظروف، تسود شائعات بأن بعض الفلاحين لجأوا لاستخدام الملح كبديل عن الأسمدة، وهو ما يُعتبر معلومات مضللة تمامًا،

إذ أن الملح يُلحق الضرر بالنباتات. بينما يشدد أبوصدام على أهمية استخدام الأسمدة العضوية، التي تُعتبر مفيدة ولكن لا تعطي نفس إنتاجية الأسمدة الكيماوية.

التحديات الاقتصادية

ومن جهة أخرى، أستاذ الاقتصاد الزراعي الدكتور حبيب محمد يُسلط الضوء على مشكلات إضافية تتعلق بسعر الغاز المدعم الذي لا يتماشى مع الأسعار العالمية. فبينما ينخفض سعر الغاز عالميًا، لا تُخفض الحكومة سعر الغاز المحلي، مما يجعل المصانع تفضل التصدير. هذا الأمر يُعتبر بمثابة ضغوط إضافية على السوق المحلي.

فمع الصندوق السيادي الإماراتي الذي استحوذ على حصص كبيرة من شركات الأسمدة المصرية، فإن الكلمة العليا باتت للقطاع الخاص الذي يُفضل تصدير إنتاجه بدلاً من تلبية احتياجات السوق المحلي، مما يزيد من حدة الأزمة.

نحو مستقبل مظلم للزراعة المصرية

في ظل هذه الأزمات المتشابكة، يبدو أن القطاع الزراعي المصري يواجه مستقبلًا مظلمًا. فبينما تسعى الحكومة لتوفير الغاز للمصانع،

تظل الأزمات قائمة، والأسواق تعاني من نقص حاد في الأسمدة. من الضروري اتخاذ إجراءات فورية لحل هذه المشكلة قبل أن تتحول الأزمة إلى كارثة حقيقية تهدد الأمن الغذائي في البلاد.

الأمر يتطلب تكاتف جميع الأطراف المعنية، سواءً كانت الحكومة أو الشركات أو الفلاحين، للخروج من هذه الأزمة والتفكير في حلول مستدامة تضمن استقرار الأسعار وتوفير الأسمدة اللازمة للإنتاج. التحديات كبيرة، ولكن الأمل في التحسين يبقى ممكنًا إذا تم التعامل مع الأزمة بشكل سريع وجاد.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى