أسعار الوجبات اليومية تشتعل وتخنق ميزانيات الأسر المصرية
تواجه الأسر المصرية اليوم واقعاً مريراً حيث باتت تكاليف الوجبات اليومية عبئاً يثقل كاهل الجميع ويؤجج الصراعات داخل البيوت.
تعالت أصوات الأمهات يشكون من المعاناة اليومية لتلبية احتياجات أسرهن في ظل ارتفاع جنوني لأسعار المواد الغذائية،
الأمر الذي فاق حدود المنطق. يتسائل الجميع هل يمكن للأسرة البقاء موحدة في ظل هذه الظروف القاسية؟
تشير العديد من ربات المنازل إلى أن الغلاء أصبح سيد الموقف، ومع كل ارتفاع جديد في الأسعار يتبدد الأمل في تحسين الظروف.
رباب حسنين، ربة منزل، تعبر عن يأسها قائلة إنها اضطرت للتخلي عن كافة السلع الترفيهية لتأمين الاحتياجات الأساسية. إنّ تكاليف المدارس والدروس الخصوصية أضحت مصدراً للقلق، حيث تجد نفسها مضطرة للتفاوض مع المدرسين لتخفيض الأسعار أو تقسيط المصاريف، في الوقت الذي يبدو فيه زوجها بلا حيلة.
الأمر نفسه تكرر مع حسنية محمد، التي صرحت بأن مصروفها الشهري لم يعد كافياً حتى لأساسيات المنزل. تشير إلى أن الأسعار التي كانت في المتناول تحولت إلى كابوس؛ فاللحم والدجاج أصبحا من الكماليات،
حيث يصل سعر كيلو اللحم إلى 270 جنيهاً، بينما سعر الدجاج يتجاوز 100 جنيه. الغلاء المستمر دفع الأسر إلى التخلي عن الوجبات المتكاملة، وتحولت البيوت إلى ساحات لصراع البقاء.
وتتحدث أمنية محمود عن تجربتها الشخصية حيث لم تعد قادرة على تحديد الأولويات في السوق، ما يجعلها تتخلى عن أشياء اعتادت على شرائها.
كلما طلبت من زوجها زيادة المصروف، كان الرد حاسماً: “من أين؟” مما يفاقم من شعورها بالضغط والتوتر. وأصبحت الوجبات العادية تمثل عبئاً كبيراً،
حيث تتراوح تكلفة وجبة واحدة لأربعة أشخاص بين 200 إلى 300 جنيه، مما يعني أن الأسر المصرية تواجه خطر سوء التغذية أو حتى الأمراض الناتجة عن نقص التغذية.
أمهات مثل نهير حسن تسجلن أيضاً تزايداً في الأسعار يومياً، ما يدفعهن للبحث عن وجبة تحتوي على العناصر الغذائية الأساسية لأبنائهن.
فهي تشتري ما تحتاجه بالضبط، حيث لم تعد هناك قدرة على الشراء بكميات أكبر. وتضيف أن أطفالها يحبون منتجات الألبان، لكن الأسعار المرتفعة جعلتها تضطر لتخفيض كمياتها، وهو ما يؤثر على صحة أطفالها.
تؤكد مروة حسنين، أم لطفلتين، أن تكلفة الوجبات اليومية أصبحت تتطلب ميزانية ضخمة. الأسعار التي يتم الإعلان عنها في وسائل الإعلام لا تعكس الواقع في الأسواق.
فأسعار اللحوم ترتفع بشكل جنوني، مما يجعلها تتجنب إدخالها في نظام عائلتها الغذائي، حتى البيض أصبح نوعاً من الرفاهية.
وتسجل أحد الأمهات العاملات في الحكومة، وهي تعاني مع ابنيها، أن الاحتياجات الغذائية باتت تتجاوز إمكانياتها.
حيث اعتاد أبناؤها على تناول اللحوم بانتظام، لكن الأسعار الجنونية تجبرها على تقليصها إلى الحد الأدنى. كانت سابقًا قادرة على تقديم وجبات مغذية لأطفالها، أما الآن فقد تضاءلت الخيارات.
وفي خضم هذه الأزمة، تدعو الدكتورة كريمة محسن، أستاذة التغذية، إلى تعديل الثقافة الغذائية في البيوت. تدعو العائلات للابتعاد عن الوجبات السريعة والاعتماد على تحضير الطعام في المنازل،
مع ضرورة تناول كميات مناسبة فقط. تشدد على أهمية ترشيد الاستهلاك واستغلال الفوائض من الطعام بشكل مبتكر.
يشير عبدالجبار عبدالصمد، الخبير الاقتصادي، إلى أن الأزمة الاقتصادية تتطلب من الأسر تعديل استهلاكها والتوجه نحو خيارات أكثر توفيرًا.
يوصي بإلغاء المشتريات غير الضرورية وإعادة النظر في العادات الاستهلاكية. يرى أن العمل الإضافي أو البدء بمشاريع صغيرة قد يكون حلاً للكثيرين.
الأزمة ليست فقط في الأسعار، بل في كيفية التعامل معها. فالأسر تحتاج إلى إعادة تقييم أولوياتها. تتعالى نداءات الأمهات والآباء للبحث عن حلول بديلة لضمان استمرار الحياة دون تفكك الأسرة أو انهيار العلاقات.
إن ما يعيشه الناس اليوم من معاناة يكشف عن ضرورة إعادة التفكير في كيفية إدارة الموارد المحدودة، لضمان بقاء الأسر متماسكة وصامدة أمام غول الغلاء الذي يلتهم ميزانياتهم.