المعتصم الكيلاني يكتب : التحرك القانوني الدولي لحماية قوات اليونيفيل: مسؤوليات المجتمع الدولي بعد الهجوم الإسرائيلي
المعتصم الكيلاني – المختص في القانون الجنائي الدولي
في 11 أكتوبر 2024، تعرضت قوات “اليونيفيل” العاملة في جنوب لبنان لهجوم من قبل القوات الإسرائيلية، وهو تصعيد خطير يشكل تهديدًا لأمن هذه القوات وسلامتها، ويقوض بشكل عام دور الأمم المتحدة في حفظ السلام في المنطقة. هذا الحدث يثير العديد من التساؤلات القانونية حول كيفية حماية هذه القوات، وما الذي يمكن أن تفعله الأمم المتحدة والمجتمع الدولي لمنع تكرار مثل هذه الهجمات.
الواقع القانوني لقوات اليونيفيل:
قوات “اليونيفيل” هي قوات حفظ سلام أنشأها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بموجب القرار 425 لعام 1978، وتعمل تحت الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة. تتمثل مهامها الرئيسية في ضمان استعادة السلم والأمن الدوليين ودعم الجيش اللبناني في جنوب البلاد. وبموجب القانون الدولي، يتمتع جنود حفظ السلام بحماية خاصة، حيث يُعتبر أي هجوم عليهم جريمة ضد السلم والأمن الدوليين بموجب اتفاقية جنيف لعام 1949، والبروتوكولات الإضافية اللاحقة، واتفاقية الأمم المتحدة بشأن سلامة الأفراد المرتبطين بالأمم المتحدة لعام 1994.
التحرك القانوني بعد الهجوم:
بموجب القانون الدولي، هناك عدة خطوات قانونية يجب اتخاذها بعد استهداف قوات “اليونيفيل”:
- 1. فتح تحقيق دولي: يجب أن تبادر الأمم المتحدة إلى إجراء تحقيق مستقل وشفاف لتحديد المسؤولين عن الهجوم على “اليونيفيل”. هذا التحقيق يجب أن يشمل جمع الأدلة والشهادات من جميع الأطراف المعنية لتحديد الجناة بدقة.
- 2. إحالة الأمر إلى مجلس الأمن: بما أن قوات “اليونيفيل” تعمل بموجب قرارات مجلس الأمن، فإن الهجوم عليها يعد خرقًا للشرعية الدولية. وبالتالي، يجب على مجلس الأمن إصدار قرار يدين الهجوم ويتضمن إجراءات تصعيدية قد تصل إلى فرض عقوبات على إسرائيل، أو أي دولة متورطة، إذا ثبتت مسؤوليتها.
- 3. محاسبة المسؤولين دوليًا: يمكن أن تُحال القضية إلى المحكمة الجنائية الدولية (ICC)، حيث أن الهجوم على قوات حفظ السلام قد يشكل جريمة حرب بموجب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية. وبذلك يمكن محاسبة المسؤولين على المستوى الفردي أو الحكومي.
- 4. تعزيز التدابير الأمنية: بناءً على نتائج التحقيق، قد يُطلب من الأمم المتحدة أو الأطراف المعنية تعزيز التدابير الأمنية لحماية قوات “اليونيفيل”. يمكن أن يشمل ذلك نشر مزيد من القوات أو تزويدها بقدرات دفاعية إضافية لتفادي هجمات مشابهة مستقبلاً.
دور المجتمع الدولي في منع تكرار الهجمات:
- 1. إجراءات رادعة: يجب على المجتمع الدولي اتخاذ خطوات ملموسة لردع الهجمات المستقبلية، وذلك عبر إرسال رسالة واضحة بأن أي اعتداء على قوات حفظ السلام لن يتم التسامح معه. يمكن تحقيق ذلك من خلال فرض عقوبات دولية، أو حتى اتخاذ إجراءات عسكرية محدودة للدفاع عن القوات الأممية.
- 2. تعزيز ولاية “اليونيفيل”: قد يكون من الضروري تعديل ولاية قوات “اليونيفيل” لتعزيز قدرتها على الدفاع عن نفسها. في حال اعتُبر أن الوضع الأمني لا يسمح للقوات الأممية بأداء مهامها بفاعلية، يمكن لمجلس الأمن مراجعة ولايتها تحت الفصل السابع، مما يتيح استخدام القوة لحماية نفسها والمدنيين.
- 3. التوسط بين الأطراف المتصارعة: يجب على المجتمع الدولي لعب دور فاعل في التوصل إلى هدنة دائمة بين الأطراف المعنية، خصوصًا بين إسرائيل ولبنان. كما أن الضغط الدبلوماسي يجب أن يُمارس بشكل أكبر من أجل استئناف المحادثات المتعلقة بترسيم الحدود والتهدئة العسكرية.
التحرك القانوني المحتمل:
في حال عدم استجابة إسرائيل أو أي دولة أخرى معنية لمطالب المجتمع الدولي، فإن الإجراءات القانونية قد تتضمن:
- 1. اللجوء إلى محكمة العدل الدولية (ICJ): يمكن أن تطالب الأمم المتحدة بمحاكمة إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية إذا اعتُبر أن الهجوم يمثل خرقًا صارخًا للقانون الدولي. لكن هذا الخيار يتطلب دعمًا دوليًا واسعًا نظرًا لتعقيداته القانونية والسياسية.
2. فرض عقوبات دولية: بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، يمكن لمجلس الأمن فرض عقوبات اقتصادية أو دبلوماسية على إسرائيل إذا لم تتخذ إجراءات لتجنب تكرار مثل هذه الحوادث. - إن الهجوم على قوات “اليونيفيل” يضع المجتمع الدولي أمام تحدٍ كبير لضمان حماية قوات حفظ السلام وتعزيز الأمن في منطقة الشرق الأوسط. يجب أن تكون الإجراءات القانونية والديبلوماسية حازمة لضمان عدم إفلات الجناة من العقاب، ولضمان استمرار قوات “اليونيفيل” في أداء مهمتها في جنوب لبنان دون تهديد.