تقارير

أزمة نفسية في زمن الفساد: كيف تلتهم الأوضاع الاقتصادية والسياسية عقول المصريين؟

في اليوم العالمي للصحة النفسية، يتبادر إلى الأذهان سؤال محوري: كيف تؤثر الأوضاع الاقتصادية والسياسية الراهنة على الصحة النفسية للمواطنين المصريين؟

وفي هذا السياق موقع “أخبار الغد” يكشف النقاب عن أبعاد هذه القضية المعقدة، مع تسليط الضوء على آراء المواطنين والمختصين في الصحة النفسية.

واقع مرير

أشار د. أحمد شريف، أستاذ الطب النفسي بجامعة القاهرة، إلى أن الظروف الاقتصادية السيئة والضغوط السياسية المتزايدة تؤثر بشكل كبير على الصحة النفسية للمواطنين. “الأزمات الاقتصادية تعني تدهور مستوى المعيشة،

مما يؤدي إلى القلق والاكتئاب لدى العديد من الناس”، يقول شريف. ويضيف أن معدل الاكتئاب في مصر قد ارتفع بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، خاصة في صفوف الشباب.

من جهة أخرى، أكدت عائشة محمود، ربة منزل وأم لثلاثة أطفال، أن الوضع المعيشي الصعب ينعكس على صحتها النفسية.

“لا أستطيع توفير الاحتياجات الأساسية لعائلتي، وهذا يجعلني أشعر بالعجز والقلق الدائم. كلما زادت الأعباء، زادت مشاعري السلبية”.

تداعيات الفساد

أوضح محمد حسام، ناشط سياسي، أن الفساد المستشري في المؤسسات الحكومية يعمق معاناة المواطنين. “إذا كانت الأموال المخصصة للخدمات الصحية تُهدر في جيوب الفاسدين،

كيف يمكن أن نطلب من الناس أن يكونوا بصحة نفسية جيدة؟” يتساءل حسام. ويشدد على أهمية مكافحة الفساد كخطوة أولى لتحسين صحة المواطنين النفسية.

بينما يؤكد مختصون في علم النفس أن الفساد يؤثر على الصحة النفسية بطريقة غير مباشرة، حيث يخلق شعورًا بالإحباط وفقدان الأمل في المستقبل.

“هذا الإحباط يترجم إلى مشاعر سلبية مثل القلق والاكتئاب، مما يؤثر على قدرة الناس على التعامل مع الضغوط اليومية”، تقول د. ليلى عمران، خبيرة الصحة النفسية.

صوت المواطن

عبر صفحته الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي، كتب كريم عبد الله، شاب في الثلاثين من عمره، “كل يوم أشعر بأن الحياة تتجه نحو الأسوأ. لا توجد فرص عمل، والأسعار تتصاعد بشكل جنوني. كيف يمكنني أن أكون سعيدًا في ظل هذه الظروف؟”.

أشارت نجلاء صالح، موظفة حكومية، إلى أن الضغوط اليومية تؤدي إلى تفاقم مشاكل الصحة النفسية. “العمل تحت ضغط دائم وعدم وجود دعم نفسي يجعل الأمور أكثر صعوبة. الكثيرون من زملائي يعانون من القلق والاكتئاب، لكنهم يتجنبون الحديث عن ذلك”.

الصحة النفسية في مؤسسات الدولة

أكدت د. سمية زكي، استشارية الصحة النفسية، أن الحكومة يجب أن تلعب دورًا فعالًا في دعم الصحة النفسية.

“لا يوجد اهتمام كافٍ بالصحة النفسية في مصر. نحن بحاجة إلى حملات توعية أكبر وتوفير خدمات نفسية مجانية للأشخاص الذين يعانون من ضغوط نفسية”.

وفي ظل غياب البرامج الحكومية الفعالة، قرر عدد من الجمعيات الأهلية إطلاق مبادرات لدعم الصحة النفسية.

“نحن نحاول ملء الفراغ الذي تركته الحكومة، لكن جهودنا محدودة أمام حجم المشكلة”، يقول أحمد الشناوي، مدير إحدى الجمعيات الأهلية.

أصوات النساء

لم تقتصر معاناة الصحة النفسية على الرجال فقط، بل تعاني النساء بشكل مضاعف. أكدت هالة عبد الرحمن، ناشطة حقوقية، أن النساء يتحملن أعباء إضافية في ظل الظروف الحالية.

“النساء غالبًا ما يكن مسؤولات عن رعاية الأسرة، وارتفاع الأسعار يجعل من الصعب عليهن تلبية احتياجات الأسرة، مما يؤدي إلى زيادة الضغط النفسي”.

وأضافت: “الكثير من النساء يشعرن بالعزلة ويحتاجن إلى دعم نفسي، لكن المجتمع ينظر إلى الحديث عن المشاكل النفسية باعتباره عيبًا”.

تحذيرات من المستقبل

أوضح د. عادل مروان، طبيب نفسي، أن الاستمرار في تجاهل الصحة النفسية قد يؤدي إلى عواقب وخيمة. “إذا لم نتخذ خطوات عاجلة لتحسين الوضع، سنواجه جيلًا يعاني من مشاكل نفسية خطيرة، وهذا سيؤثر على المجتمع بأسره”.

وأكد أن الإهمال في هذا المجال سيتسبب في زيادة معدلات الانتحار، حيث يجد الكثيرون أنفسهم محاصرين بين الأزمات الاقتصادية والضغوط النفسية.

نحو حلول واقعية

في ختام التحقيق، نطرح سؤالًا محوريًا: ما هي الخطوات الممكنة لتحسين الصحة النفسية في ظل الظروف الحالية؟ يشدد المختصون على أهمية تحسين المستوى المعيشي للمواطنين، وتوفير خدمات نفسية متاحة للجميع، بالإضافة إلى رفع مستوى الوعي العام حول الصحة النفسية.

كما اقترح العديد من المواطنين ضرورة إنشاء منصات للحوار المفتوح حول القضايا النفسية، لتشجيع الأفراد على التعبير عن مشاعرهم والبحث عن الدعم.

أزمة النفسية في مصر: الفساد يعمق جراح العقول والقلوب

إن الأوضاع الاقتصادية والسياسية الراهنة في مصر تضع تحديات هائلة أمام صحة المواطنين النفسية. من المهم أن يتحد الجميع، سواءً كانوا مختصين أو مواطنين،

من أجل خلق بيئة صحية تدعم الرفاهية النفسية وتحد من آثار الفساد. في اليوم العالمي للصحة النفسية، يجب أن يكون صوت المجتمع واضحًا، يجب أن نقول كفى!

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى