الكارثة الإنسانية في سيناء: عشر سنوات من التهجير القسري والإهمال الحكومي القاسي
في ظل صمت حكومي مدوي وتجاهل متعمد لنداءات المظلومين جاءت مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان لتكشف عن واقع مرير ينذر بكارثة إنسانية تدمي القلوب
وتبعث على القلق في كل زاوية من زوايا الوطن فالأرقام تتحدث عن نزوح أكثر من 100 ألف من أهالي سيناء أي ما يعادل ربع السكان نتيجة العملية العسكرية المستمرة منذ عام 2013 التي دمرت حياة الناس وأسست لواقع أليم يشمل التهجير القسري والتدمير الممنهج للممتلكات.
التقرير الذي يحمل عنوان العدالة المفقودة يسلط الضوء على الخسائر الفادحة التي لحقت بالمحافظة حيث أكدت المؤسسة أن القوات العسكرية قامت بتدمير ما لا يقل عن 12,350 مبنى على مراحل متعددة كان آخرها في العريش
مما يبرز سياسة القمع والتدمير المتعمد ضد المدنيين الذين لم يعرفوا سوى الألم والخوف. ولم تكتف السلطات بذلك بل جرفت أيضاً نحو 14,300 فدان من الأراضي الزراعية التي كانت تمثل مصدر الرزق الأساسي لأسر بأكملها لتزيد من معاناة الناس الذين فقدوا منازلهم وأراضيهم في آن واحد.
لكن المأساة لا تتوقف عند هذا الحد فالتعويضات المالية التي قدمتها الحكومة جاءت بقرارات جائرة وغير عادلة حيث أفاد التقرير أن حوالي 57% من السكان الذين تم تهجيرهم حصلوا على تعويضات بعد مرور 6 إلى 8 سنوات على التهجير القسري.
المبالغ التي حددتها السلطات تراوحت بين 800 إلى 1200 جنيه لكل متر مربع من مساحة البناء فقط دون اعتبار لقيمة الأرض مما يفضح عقلية متخذي القرار الذين يظهرون إهمالاً فاضحاً لحقوق المواطنين ومتطلباتهم الأساسية.
هذا الإهمال يتفاقم مع مرور الوقت وبشكل مروع حيث لم تأخذ الحكومة في الاعتبار الانهيار الكبير لقيمة العملة الذي تجاوز 50% منذ عام 2016
مما أثر سلباً على قيمة التعويضات المقدمة للمهجرين الذين لا يزالون يعانون من تبعات هذا التدهور الاقتصادي الذي جاء في وقت حرجة يعاني فيه الجميع من شظف العيش وتدني مستوى المعيشة.
الحقيقة الأليمة أن هذه المآسي لم تكن وليدة الصدفة بل نتيجة لسياسات حكومية بعيدة عن الإنسانية والعدالة فالأرقام تتحدث عن حجم الإهمال المتعمد الذي يتعرض له سكان سيناء
فمع كل عملية عسكرية يتم ارتكاب المزيد من الانتهاكات والجرائم بحق هؤلاء المدنيين الذين يدفعون ثمن السياسات الفاشلة وأحلام السلطة التي تروج للأمان والسلام بينما يعيش الناس في واقع مرير يتجاوز الوصف.
إن مأساة أهالي سيناء هي مثال صارخ على الفشل الحكومي في تحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية للمواطنين فقد ضاعت حقوقهم في الأمن والاستقرار وحريتهم في العيش بكرامة في أراضيهم التي طالما كانت رمزاً لهويتهم ووجودهم.
والواقع اليوم يعكس حجم الخسائر المادية والمعنوية التي تعرضوا لها، حيث تمتد الأضرار لتشمل التفكك الأسري وفقدان الأمل في العودة إلى منازلهم.
يأتي التقرير كصرخة للضمير الإنساني ونداء للجهات المعنية محلياً ودولياً للتحرك العاجل لإنقاذ ما تبقى من هؤلاء المظلومين وإعادة حقوقهم المسلوبة
وإنصافهم في ظل غياب شبه كامل للمسؤولية من قبل الحكومة. فالعدالة ليست مجرد كلمات تُقال بل هي واقع يجب تحقيقه لكل مواطن على هذه الأرض.
إن الوضع الراهن يتطلب من الجميع التحرك بجدية وإيجاد حلول جذرية تلبي احتياجات المتضررين وتعيد لهم حقوقهم المنهوبة
فالحياة التي عاشوها لعقد من الزمن لم تكن مجرد تجارب قاسية بل كانت مرآة تعكس حجم المعاناة والألم الذي يعيشه الإنسان عندما تُنتهك حقوقه.
في النهاية، يبقى السؤال مطروحاً كيف يمكن معالجة هذه الأوضاع الشائكة وكيف يمكن للجهات المعنية أن تتحمل مسؤولياتها في وضع حد لهذه المآسي المتكررة في زمن يتطلب منا جميعاً التضامن والعدالة لكل أبناء الوطن.