تقارير

التضخم في مصر: أزمة متفاقمة تهدد الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي

تستمر أزمة التضخم في مصر في الارتفاع المقلق حيث أظهرت بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، اليوم، أن معدل التضخم في المدن قفز إلى 26.4% في سبتمبر، مسجلًا زيادة عن 26.2% في أغسطس،

مما يشير إلى تصعيد خطير للأوضاع الاقتصادية. هذا الارتفاع ليس مجرد أرقام بل هو عاصفة تتدفق عبر أسواق الاستهلاك وتؤثر بشكل مباشر على حياة المواطنين.

أزمة التضخم لم تتوقف عند حدود شهر واحد بل تمتد لتشمل سلسلة من الزيادات المستمرة التي بدأت في أغسطس الماضي، نتيجة لارتفاعات هائلة في أسعار الوقود، والتي تراوحت بين 10% و15% في نهاية يوليو،

بالإضافة إلى الزيادة التي شهدتها تذاكر مترو الأنفاق بين 25% و33% في بداية أغسطس، بينما شهدت تكاليف الكهرباء قفزات تتراوح بين 21% و31% في نفس الشهر.

على الرغم من أن المحللين توقعوا انخفاض التضخم في سبتمبر بعد الزيادة المفاجئة في أغسطس، إلا أن الأرقام جاءت لتعكس واقعًا مغايرًا تمامًا.

فقد واصل التضخم مسيرته التصاعدية ليصل إلى مستويات غير مسبوقة، وهو ما يثير تساؤلات عميقة حول قدرة الحكومة على السيطرة على هذا الوباء الاقتصادي المتفشي.

وعند النظر إلى الوراء، نجد أن معدل التضخم السنوي لإجمالي الجمهورية سجل ارتفاعًا لأول مرة منذ خمسة أشهر، حيث وصل إلى 25.6% لشهر أغسطس من 2024، مقارنة بـ39.7% لنفس الشهر من العام السابق.

وهذا الارتفاع كان متوقعًا من قبل بعض المحللين، لكن الخيبة تأتي من حقيقة أن هذه التوقعات كانت تفترض استقرارًا أفضل في الأسعار.

التضخم في مصر لا يعد فقط مسألة مالية بل هو تحدٍ اقتصادي يهدد الاستقرار الاجتماعي. فعلى الرغم من الجهود المبذولة لتخفيف الضغوط الاقتصادية

من خلال حزم الدعم المالي التي وقعتها الحكومة مع صندوق النقد الدولي، إلا أن الشروط المرتبطة بتلك الحزم، مثل زيادة أسعار العديد من المنتجات المدعومة، جعلت الأوضاع أسوأ بدلاً من أن تتحسن.

الحكومة بدورها حاولت التصدي للأزمة من خلال رفع أسعار بعض المنتجات المدعومة، في محاولة للسيطرة على عجز الموازنة الذي بلغ 505 مليارات جنيه مصري.

ولكن، على الرغم من تلك الخطوات، فإن التباطؤ في التضخم إلى 25.1% في أغسطس من 25.7% في يوليو لا يعد انتصارًا بقدر ما هو تأجيل لمرحلة جديدة من المعاناة الاقتصادية.

وفي هذا السياق، حذرت شركة “بي.إم.آي” من تبعات تقليص الدعم وزيادة الأسعار، حيث توقعت أن يصل متوسط التضخم إلى 30% في 2024، مع احتمال ارتفاعه إلى 32% إذا استمرت أسعار الكهرباء في الارتفاع. هذا التنبيه يأتي في وقت حساس حيث تعاني الأسر من الضغوط الاقتصادية المتزايدة.

وفي إطار التحليلات الاقتصادية، أشار فيليب دوبا بانتاناكس، كبير الاقتصاديين في بنك “ستاندرد تشارترد AG”، إلى أن تجاوز مصر لتحدياتها الاقتصادية يعتمد بشكل كبير على تحسين المؤشرات الاقتصادية المحلية.

ومن الواضح أن البلاد تواجه معضلة كبيرة، حيث أنها واحدة من أهم الدول في التجارة العالمية بفضل موقعها الجغرافي ومواردها البشرية، لكنها في الوقت نفسه تعاني من أزمات داخلية تعيق نموها.

إن المتتبع للأحداث الاقتصادية في مصر لا يمكنه أن يتجاهل الأثر المدمر لهذه الزيادات المتتالية في الأسعار على القوة الشرائية للأسر، إذ أن الأوضاع الحالية لا تبشر بالخير، بل تشير إلى أن الأزمات ستتفاقم مع مرور الوقت إذا لم تتخذ الحكومة إجراءات جذرية وحاسمة.

بينما تتزايد المؤشرات على أن الأوضاع الاقتصادية ستستمر في التدهور، يتبقى الأمل ضئيلاً في أن تنجح السياسات المالية والنقدية الجديدة في عكس هذا الاتجاه المتسارع نحو الفوضى الاقتصادية. الأرقام تتحدث عن واقع مؤلم والآمال تتبدد في ظل تدني مستوى المعيشة وزيادة الضغط على المواطنين.

وتأتي هذه المعطيات لتؤكد أن المستقبل القريب يحمل المزيد من التحديات، وإذا لم تتحرك الحكومة بسرعة وبقوة، فإن تداعيات هذه الأزمة ستكون كارثية على جميع الأصعدة.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى