تقارير

مصير الدلتا للأسمدة في قبضة الصراع بين الشركات الكبرى

تواجه صناعة الأسمدة المصرية واحدة من أكثر اللحظات تحدياً في تاريخها، حيث تتسابق أربع شركات مصرية وعربية على فرصة إعادة إحياء “الدلتا للأسمدة والصناعات الكيماوية”، بعد سنوات من التوقف عن العمل، في عملية تبلغ قيمتها الأولية نحو 450 مليون دولار.

تلك الشركات تشمل “أبوقير للأسمدة”، “مصر لإنتاج الأسمدة” (موبكو)، “المصرية القابضة للبتروكيماويات”، وشركة تابعة لصندوق الاستثمارات العامة السعودي. ومع ذلك، يبقى السؤال الأهم: هل ستستطيع هذه الشركات تغيير مصير شركة عانت من عقود من المشكلات والإهمال؟

في تطور مثير، أكد أحد المسؤولين أن القيمة المبدئية لعملية إعادة تأهيل الشركة ستحدد بدقة بعد انتهاء عملية التقييم الحالية، حيث تُظهر التوقعات أن إرساء التعاقد مع إحدى الشركات سيكون في الربع الأول من عام 2025.

وفي هذا السياق، تقوم شركة “بيكر تيلي للاستشارات المالية” بالعمل على تقييم القيمة العادلة لمصانع “الدلتا للأسمدة” خلال أسبوعين، بينما تم تكليف بنك الاستثمار “الأهلي فاروس” بالترويج لفرصة إعادة التطوير أمام المستثمرين.

ورغم هذه الجهود، يبدو أن تطوير “الدلتا للأسمدة” ليس بالأمر السهل. منذ عامين، أعلنت الشركة القابضة للكيماويات أنها تستهدف الانتهاء من دراسات تطوير الشركة بالتعاون مع “تيسين جروب” الألمانية، ولكن مرور الزمن لم يُحدث أي تقدم يُذكر، بل زاد الأمور تعقيداً.

فقد أشار عماد الدين مصطفى، العضو المنتدب التنفيذي للشركة في تلك الفترة، إلى أن الدراسة كانت تهدف إلى وضع خطط التطوير والتكاليف الاستثمارية المطلوبة، لكن لم يتم تنفيذ أي من تلك الخطط بشكل فعلي.

في خضم هذا الجدل، يعود الحديث عن إمكانية دمج “الدلتا للأسمدة” مع شركة أخرى، حيث أثار اقتراح نقلها إلى السويس جدلاً واسعاً في عام 2021،

إلا أن الحكومة قررت في النهاية التراجع عن هذه الفكرة. وبينما تعاني الشركة من خسائر كبيرة، تمسكت الحكومة بخطط تطويرها في موقعها الحالي بمدينة طلخا.

تأسست “الدلتا للأسمدة” في عام 1998، وهي واحدة من أكبر الشركات المصرية المتخصصة في إنتاج الأسمدة، لكنها توقفت عن العمل لمدة أربع سنوات، ما أدى إلى تكبدها خسائر بقيمة 309 ملايين جنيه في العام المالي 2022-2023.

حيث تشير البيانات الرسمية إلى أن الشركة كانت تنتج مجموعة متنوعة من الأسمدة، مثل سماد اليوريا ونترات الأمونيوم، إلا أن توقفها عن العمل جعلها تعاني من أزمة حادة.

وتمثل الأزمة الحالية ضربة قاسية لصناعة الأسمدة في مصر، حيث تُعتبر “الدلتا للأسمدة” واحدة من الأعمدة الرئيسية في هذا القطاع.

ومع سعي الحكومة لتحديث بنيتها التحتية ومعدات الإنتاج، يبقى التساؤل حول كيفية تحقيق ذلك في ظل الإخفاقات المستمرة.

على الرغم من توقف عملياتها، تبذل الشركة جهوداً لإعادة تأهيل مصانعها، حيث بدأت في تطوير وحدة إنتاج حمض النيتريك لمواكبة المتطلبات البيئية، بالإضافة إلى تحديث خطوط إنتاج البلاستيك المستخدمة في تصنيع العبوات.

كما أن هناك مشروعًا لتطوير وحدة توليد الطاقة المشتركة، الذي يُتوقع أن يُدر على الشركة نحو 50 مليون جنيه سنوياً.

ومع تلك المشاريع، تبرز الحاجة الملحة لتمويل قوي ومشاريع رائدة لضمان نجاح عمليات التطوير، في وقت تتصارع فيه الشركات الكبرى للحصول على السيطرة.

إن الشد والجذب بين هذه الشركات يُعد أحد التحديات الرئيسية التي ستواجه عملية إعادة التأهيل، إذ يُنظر إلى هذه الشركات ليس فقط كمتنافسين، بل كمؤشرات على مستقبل القطاع بأسره.

وفي الوقت الذي تُظهر فيه النتائج المالية للشركة القابضة تطوراً ملحوظاً، حيث ارتفعت الإيرادات بنسبة 10% خلال العام المالي 2020-2021، فإنها لا تعكس الوضع المأساوي الذي تعاني منه “الدلتا للأسمدة”.

حيث حققت القابضة صافى ربح بلغ 4.9 مليار جنيه، لكن استمرار وجود شركة غير فعالة في السوق يعد تحدياً كبيراً أمام تطلعات الحكومة لإعادة تنشيط هذه الصناعة.

تُعد هذه الحالة مرآة للتحديات العميقة التي تواجهها الصناعة، من ضعف التمويل إلى الحاجة الماسة للتطوير التقني، وهو ما قد يُسهم في زيادة كفاءة الإنتاج وزيادة العوائد المالية. إلا أن الرياح لا تجري كما تشتهي السفن، والجدل لا يزال مستمراً حول مصير “الدلتا للأسمدة”.

كل ذلك يأتي في ظل مشهد اقتصادي معقد، حيث تُعتبر صناعة الأسمدة من الدعائم الأساسية للأمن الغذائي في مصر، وبالتالي فإن أي تراجع أو فشل في إعادة تأهيل “الدلتا للأسمدة” سيعني أزمة حقيقية على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي.

ويبقى الأمل قائماً في أن تتمكن الشركات المتنافسة من إيجاد حلول فعالة لهذا التحدي، لكن الطريق أمامها لن يكون سهلاً.

إذ يتطلب الأمر ليس فقط استثمار الأموال بل أيضاً رؤية استراتيجية واضحة تضمن استدامة عمليات الإنتاج وتلبية احتياجات السوق في مصر. مع اقترابنا من عام 2025، يبقى مستقبل “الدلتا للأسمدة” غامضاً، لكنه يتطلب بلا شك جرعة من الإبداع والتعاون لتحقيق نتائج ملموسة.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى