فضيحة تهريب المازوت تهدد استقرار الكهرباء والأمن الوطني
في ظل أزمة تتفاقم يوما بعد يوم تتعالى الأصوات مطالبا بكشف المستور حول تهريب المازوت الذي بات حديث الساعة بين العاملين في شركة الوجه القبلي لإنتاج الكهرباء
هذه القضية لم تعد مجرد شائعات أو اتهامات عابرة بل أصبحت واقعا مأساويا ينذر بكارثة حقيقية على القطاع الكهربائي في البلاد لجنة تقصي الحقائق التي شكلتها الشركة القابضة
جاءت كاستجابة لتلك الشكاوى المتزايدة لكنها لم تكن أكثر من محاولة لامتصاص الغضب الشعبي والتملص من المسؤولية
اللجنة التي قيل إنها قد تحمل بين طياتها نتائج مهمة حول الأمر انطلقت في عملها خلال يومين لكنها خرجت بتوصيات روتينية لم تضف جديدا ولم تغير من واقع الأمور شيئا بل لم تزد الأمور إلا تعقيدا
وكأنها كانت موجودة فقط لتسجل حضورها وأداء واجبها المفترض من دون أن تتناول الجوانب الحقيقية للأزمة التي تفتك بالقطاع الكهربائي
الفضيحة الأكبر تكمن في المزاعم حول تزوير شهادة إدارية تتعلق بالمعدات التعاقدية التي لم يتم استلامها حيث ظهرت وثيقة مزورة تشهد بصرف المعدات
في حين أن الواقع يتحدث عن عكس ذلك تماما هذه الوقائع تثير تساؤلات مشروعة حول مدى فاعلية الرقابة الداخلية ومدى جدية المسؤولين في التعامل مع مثل هذه التجاوزات الخطيرة
اللجنة بدت كأنها تعيش في عالم موازٍ إذ أبدت انشغالها بنحو مائة شكوى شهريا ترد إليها حول موضوعات مشابهة ولم تكن هذه الشكاوى سوى صدى لصوت الأزمة المتنامية
بل إن أعضاء اللجنة جلسوا لتناول الشاي بالياسمين في وقت كانت فيه الأوضاع تتدهور وتفشل فيه جهود الحفاظ على سلامة الشبكة الكهربائية
أما بالنسبة لتهريب المازوت الذي يشكل أحد أهم أركان عمليات تشغيل المحطات الكهربائية فقد ساهم في تدمير الميكانيكل سيل لأول مضخة وبات تهديدا حقيقيا على باقي المضخات
بل إن المحطة الجديدة التي لا تزال تحت الضمان تواجه مصيرًا مجهولًا نتيجة للإهمال وتقصير المسؤولين في اتخاذ التدابير اللازمة
إن استمرار تهريب المازوت وعدم توفير مانع تسريب فعال يزيد من تفاقم الأوضاع ويعكس حالة من الفوضى التي تعصف بهذا القطاع الحيوي هذا التهريب لا يضر فقط بالشركة
بل يهدد استقرار شبكة الكهرباء بالكامل ويزيد من احتمالات حدوث انقطاعات متكررة في التيار الكهربائي وهو ما سينعكس سلبا على حياة المواطنين الذين يعتمدون بشكل أساسي على الطاقة الكهربائية
هل يمكن أن تقف الجهات المعنية مكتوفة الأيدي أمام هذه الفوضى بينما تتزايد شكاوى المواطنين؟ هل يحق للمسؤولين تجاهل الأرقام التي تشير إلى تهريب كميات ضخمة من المازوت
والتلاعب بالمعدات التعاقدية؟ الأمور تتطلب وقفة جادة وحقيقية لتحمل المسؤولية وعدم الاكتفاء بتدوين الشكاوى في ملفات لا تنتهي
من الواضح أن هناك خللا جسيما في إدارة الأزمات وتفشي الفساد وعدم الرغبة الحقيقية في اتخاذ خطوات جادة للحد من هذا التدهور يأتي كل ذلك في وقت يحتاج فيه القطاع الكهربائي إلى رؤية استراتيجية واضحة وإصلاح شامل يضع حدا لهذه الممارسات الفاسدة
تاريخ الكهرباء في البلاد حافل بالتحديات لكن ما نشهده اليوم هو نموذج صارخ للفشل في إدارة الموارد والخدمات العامة هذا الفشل لا يمكن السكوت عنه
ويجب أن يتحمل كل مسؤول عواقب تقصيره فالأمر يتجاوز مجرد تقارير وبيانات رسمية إلى حقائق صادمة تهدد حياة ملايين المواطنين
في نهاية المطاف، يجب على الجهات المسؤولة أن تتحمل مسؤوليتها الكاملة وأن تعمل على تقديم الحلول الفورية والفعالة لوضع حد للفساد المستشري قبل أن تتحول الأمور إلى كارثة حقيقية تسجل في تاريخ القطاع الكهربائي كواحدة من أسوأ الأزمات التي شهدتها البلاد
وعلينا جميعا أن نرفع أصواتنا من أجل المطالبة بالشفافية والمساءلة وإعادة هيكلة النظام بما يضمن عدم تكرار مثل هذه الأزمات في المستقبل
ويجب أن يكون هناك عمل جماعي من الجميع لتحقيق هذا الهدف، والعمل على استعادة الثقة المفقودة بين الشعب والجهات المعنية بالقطاع الكهربائي لن نرضى بأقل من معالجة جذرية لكل هذه القضايا ولن نسمح بتفشي الفساد وسوء الإدارة في قطاع يعد حيويا لمستقبل البلاد