مقالات ورأى

محمد عبد القدوس يكتب: للسادات و4 مفاجآت كبرى


مصر تتذكره دوماً في ذكرى أكتوبر ، فهو صاحب قرار العبور وبدء تحرير سيناء، والحرب كانت مفاجأة من مفاجآته ، فاجئ بها أبناء بلده والعدو الصهيوني على حد سواء بل والعالم أجمع ، فلم يكن أحد يتوقعها خاصة بعد طرد الخبراء الروس من مصر عام ١٩٧٢.

و”السادات” رحمه الله شخصية فريدة من نوعها وأشهد بذلك رغم أن كتاباتي تشهد أنني كنت مختلفاً معه خاصة في سنواته الأخيرة وذهبت وراء الشمس بسبب ذلك.

وإذا سألتني حضرتك: لماذا وصفته بأنه شخصية فريدة من نوعها رغم “البهدلة” التي تعرضت لها في عهده ؟؟
أقول: أحاول أن أكون دوماً إنسان موضوعي ..
وعندما أتحدث وأقول إنه شخصية إستثنائية فهذا صحيح تماماً لأن حياته مليئة بالمفاجآت ، وأستطيع تلخيصها في نقاط محددة:

١ـ تخرج من الكلية الحربية وكان ضابطاً بالجيش المصري ، لكنه مختلف تماماً عن زملاءه من الضباط ، فهو إنسان ثوري من الطراز الأول ، وتم فصله من الجيش لهذا السبب !!
ورأيناه يلجأ إلى العنف السياسي ، وكان المتهم الرئيسي في إلقاء قنبلة على “النحاس باشا” الذي أفلت من الموت بأعجوبة .. ولم يعرف الجاني واستطاع “السادات” الهرب وبعد قيام الثورة أعترف بما فعله ، لكن الوقت قد فات لمحاكمته فقد كان من الضباط الأحرار الذين يحكمون مصر !!
وتم أتهامه كذلك في قضية مقتل “أمين عثمان” عام ١٩٤٦ الذي كان مقرباً جداً من الإنجليز ، وبالفعل تم القبض عليه مع كل أفراد الخلية الثورية التي إنضم إليها لكنه حصل على حكم بالبراءة !!
ملحوظة على الهامش: والدي رحمه الله كان ضليعاً في تلك القضية حيث كان يأوي القاتل في بيته بعد هروبه من المستشفى التي يعالج فيها ، لكن الحمد لله ربنا ستر ولم يكتشف أمره وإلا تغيرت حياته بالكامل ، وهذه القضية أوحت إليه بقصة من روائعه وهي “في بيتنا رجل” التي تحولت إلى فيلم سينمائي حققت نجاحاً كبيراً ، وعن طريق قضية “أمين عثمان” أيضاً كان بداية التعارف بين أبي و”السادات” لأنهما في ذات القضية.
وتطورت العلاقة بعد ذلك إلى صداقة قوية إستمرت لسنوات ، حتى بعدما أصبح رئيساً للجمهورية .. فهو من أقرب المقربين إليه من الضباط الأحرار بالإضافة إلى “خالد محي الدين” وربنا يرحم الجميع.

٢ـ لا أحد يدري حتى هذه اللحظة كيف عاد “السادات” إلى الجيش عام ١٩٥٠ برغم دخوله السجن وشخصيته الثورية ، المهم أنه كان من ضمن فريق الضباط الذين حكموا مصر بقيادة “عبدالناصر” ..
وعندما خلفه بعد وفاته رئيساً أصيب الناس “بخضة” !! فقد كان ظل “عبدالناصر” الظليل .. لا لون ولا طعم .. بل خادم مخلص مطيع وكان هناك إجماع على أن شخصيته ضعيفة !!
وأنه لن يستمر طويلاً في الحكم وكان هذا رأي قيادات مصر في ذلك الوقت الذين أرادوا من وراء تنصيبه حكم البلاد من خلف الستار عن طريقه.
وهناك تقرير أمريكي بأنه لن يستمر في الحكم سوى بضع أسابيع لكن “السادات” أثبت للشعب المصري وللجميع أنه أذكى وأقوى مما يتصور أحد.
وقبل نهاية عام ١٩٧٠ التي توفى فيها “عبدالناصر” كان قد أصدر أول قراراته الثورية بإلغاء فرض الحراسات على الأغنياء ، ورفع الحظر على أموالهم ، ولم يعلم بهذا القرار أحد قبل إصداره ، وفي مايو من عام ١٩٧١ نجح في التخلص من كل خصومه ، وبعدها توالت قراراته الثورية وأهمها عودة جميع القضاة المفصولين إلى أعمالهم ، والإفراج عن السجناء السياسيين ، وطرد الخبراء الروس !!
وهكذا أثبت بسرعة شخصيته كقائد عكس ما كان يتصوره الناس عنه ، وهذا بالطبع كان مفاجأة كبرى.

٣ـ وحرب أكتوبر مفاجأة المفاجآت بعدما كان الناس في بلادي قد فقدوا الأمل أن مصر ستحارب.

٤ـ وأتخذ “السادات” قرارات تاريخية لها صداها الواسع وآثارها التي مازالت موجودة حتى اليوم .. خاصة الإنفتاح الإقتصادي .. وتلك فكرة جيدة ولكن لم يتم وضع ضوابط لها فتحولت إلى “سداح مداح” وانتشر الفساد .. وتدهورت أحوال الطبقة الوسطى والفقراء ، ثم الصلح المفاجئ مع العدو الإسرائيلي وإتفاقية “كامب ديفيد” .. والأيام أكدت أن ما جرى كان كارثة على منطقة الشرق الأوسط بأكملها ، وأصبح الصهاينة سادة الساحة بعدما فشل “السادات” في إستثمار حرب أكتوبر بطريقة جيدة ، وقدم تنازلات للعدو مازلنا نعاني منها حتى الآن.

الرئيس الراحل مثله مثل غيره من الرؤساء له إنجازاته العظيمة وأخطاءه الكبرى.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button