فجأة، وبعد كل التطورات الدرامية التى بلغت أقصاها بالاغتيال الإسرائيلى للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، والنجاح الإسرائيلى غير المسبوق فى اختراق البنية الأمنية لحزب الله وتفكيكها بضربات ساحقة اغتالت أغلب وأهم بنيته القيادية،
يجد بنيامين نيتانياهو رئيس الحكومة الإسرائيلية نفسه أمام «لحظة عمره التاريخية»: أن يقضى نهائياً على ما ظل يسميه «التهديد الوجودى الإيرانى لإسرائيل»،
ووضع الأسس التى يريدها لإعادة هندسة النظام الإقليمى للشرق الأوسط على النحو الذى يريده بفرض إسرائيل قوة عظمى إقليمية أحادية فى الشرق الأوسط دون أى منافس أو منازع.
هذا يعنى أن الضربة الإسرائيلية التى باتت قاب قوسين أو أدنى، ستكون، حتماً، وفق هذا الطموح، حرب «التفرد الاستراتيجى»، ولكى تكون كذلك، فإنها ستكون مضطرة لتدمير القدرات النووية الإيرانية وعدم الاكتفاء بتدمير القدرات العسكرية الاستراتيجية (القاعدة الصاروخية) والاقتصادية (النفط والغاز)،
ولكى تقوم إسرائيل بمثل هذه الحرب عليها أن تؤمن أولاً المشاركة الأمريكية الكاملة فى هذه الحرب، وأن تؤمن ثانياً نفسها من رد الفعل الإيرانى الذى سيكون هائلاً على مستوى الردع التدميرى للقدرات العسكرية والاقتصادية الإسرائيلية،
لكن ما هو أخطر على مستوى الردع النووى، فإسرائيل، والولايات المتحدة بكل تأكيد، تضعان فى حسبانهما احتمال أن تقوم إيران بإجراء تفجير نووى فى اليوم التالى للعدوان الإسرائيلى وإعلان نفسها دولة نووية،
وفرض هذا الخيار كـ «أمر واقع» رداً على ما ستعتبره “تهديداً وجودياً” من إسرائيل والولايات المتحدة أمام المجتمع الدولى. لذلك فإن إسرائيل ستكون مدفوعة بالتوصل إلى إجابات لعدد مهم من الأسئلة منها:
إلى أى حد ستشارك الولايات المتحدة فى الحرب على إيران؟
هل الحرب ستشمل تدمير القدرات النووية الإيرانية، أم ستكتفى بتدمير القدرات العسكرية والاقتصادية الإيرانية؟
ما هو حجم ومستوى الرد الإيرانى المتوقع على العدوان الإسرائيلي؟
وما هى استعدادات إيران لتلقى الضربة المنتظرة ؟ السؤال المهم هنا يتعلق بالبحث عن إجابة لسؤال آخر يتعلق بحدود التعاون العسكرى – الإستراتيجى – الأمنى الإيرانى مع روسيا، وهل حصلت إيران على مظلة دفاع جوى روسية متقدمة من صواريخ إس 400 وربما إس 500، من روسيا لإسقاط الطائرات المعادية؟
كيف سيكون رد الفعل الروسى والصينى على مثل هذه الحرب التدميرية الإسرائيلية للحليف الإيراني.
السؤال أعلاه يأخذنا مباشرة إلى مضمون المقال التوثيقى الذى كتبه انتونى بلينكن وزير الخارجية الأمريكى ونشره منذ أيام قليلة فى مجلة “فورين أفيرز” الأمريكية وربط فيه بين طموح تأمين التفرد الأمريكى بقيادة العالم والقضاء على أى جهود تنافسية تستهدف تغيير أو استبدال النظام العالمى الراهن
الذى تسيطر عليه الولايات المتحدة وبين احتواء كل من الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية التى وصفها بلينكن بـ «القوى التحريضية»، واتهم إيران ووكلاءها بأنهم «استغلوا الفوضى لإحياء طرق تهريب الأسلحة غير المشروعة فى المنطقة وتفاقم الاضطرابات».
كلام بلينكن يكشف حقيقة النيات الأمريكية بأن واشنطن ستكون، وشركاؤها الإقليميون والعرب بالذات، طرفاً فى الحرب القادمة التى ربما تكون قد بدأت، والتى سيكون هدفها القضاء على كل مصادر التهديد للنفوذ والمصالح الأمريكية والإسرائيلية. وربما يخدم التصريح الذى أدلى به الرئيس الأمريكى جو بايدن السبت الماضى (2024/10/5)
هذا الاستنتاج حيث أعلن أن الولايات المتحدة «ليست قادرة على لجم إسرائيل» ما يعنى إعطاء ضوء أخضر أمريكى لإسرائيل لضرب إيران وهو الأمر الذى ظل بنيامين نيتانياهو يحلم به على مدى أكثر من عشرين عاماً وكانت ترفضه واشنطن.
وفى هذا يقول يوئيل غوجانسكى وهو مسئول أمنى إسرائيلى كبير سابق ويعمل حالياً باحثا فى مركز أبحاث الأمن القومى التابع لجامعة تل أبيب
“نحن فى قصة مختلفة الآن.. لدينا إجماع فى إسرائيل بين العسكريين وخبراء الأمن والمحللين السياسيين على أن إسرائيل يجب أن ترد بقوة على الهجوم الصاروخى الإيرانى الأخير،
وهو الثانى فى غضون عام «لافتاً إلى أن الكثيرين فى إسرائيل يرون هذا فرصة لبذل المزيد من الجهد لإلحاق الأذى بإيران من أجل ردعها». ويكاد يجمع العسكريون والاستراتيجيون فى إسرائيل على أن الرد الإسرائيلى على الهجوم الصاروخى الإيرانى الموجع (200 صاروخ باليستى فرط صوتى «تفوق سرعتها سرعة الصوت ويصعب ملاحقتها»)
بات حتمياً، وسيكون كبيراً جداً، وبالتنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية والشركاء «العرب» فى المنطقة.
ماذا ستفعل إيران وكيف سيكون رد فعلها بعد نجاح إسرائيل فى تقطيع أوصال حليفها الإقليمى الكبير «حزب الله» والتحرك الإسرائيلى – الأمريكى لتدمير باقى الحلفاء فى اليمن والعراق، وربما مستقبلاً فى سوريا التى سينتظرها، حتماً، مستقبل شديد الصعوبة إذا نجح العدوان الإسرائيلى – الأمريكى على إيران فى تدمير القدرات النووية العسكرية والاقتصادية الإيرانية.
هل ستنجح إيران فى امتصاص الضربة وتوجيه ضربة موجعة أشد قسوة لإسرائيل يكون من شأنها إنهاء حلم التفرد الاستراتيجى الأمريكي؟ هل من المحتمل أن تعلن إيران نفسها قوة نووية عالمية كرد فعل للعدوان؟ وهل هناك نيات صينية – روسية للتدخل فى الحرب لحماية إيران، أو على الأقل للجم التدخل الأمريكى لدعم إسرائيل؟
الإجابة عن هذه الأسئلة ستحدد معالم مستقبل النظام الإقليمى للشرق الأوسط هل هو نظام إسرائيلى أحادى القطبية أم نظام ثنائى القطبية بمشاركة إيرانية،
بل ربما تحدد مستقبل نظام الجمهورية الإسلامية كله لأن إسرائيل وأمريكا تعوّلان على حدوث انقلابات داخلية فى إيران لإسقاط النظام فى حال فشله فى التصدى للعدوان الإسرائيلى – الأمريكي.
المصدر: الأهرام