تقارير

خيانة القيم: التجارة العربية مع الاحتلال تواصل الانتعاش وسط الحرب

بينما تشتعل نيران الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة للعام الثاني على التوالي تتصاعد معها مشاعر الغضب والاستنكار في الشارع العربي يخرج المشهد التجاري ليعكس تناقضاً صارخاً بين القيم والممارسات

فمع اشتداد المقاطعة الشعبية للمنتجات الإسرائيلية والداعمين لها تظهر الأرقام والدلالات أن الدول العربية المطبعة لم تتردد في تعزيز علاقاتها التجارية مع الاحتلال في ظل الأزمة الراهنة مما يطرح تساؤلات خطيرة حول الولاءات والمصالح.

تشير البيانات الجديدة إلى أن التجارة العربية مع إسرائيل شهدت زيادة ملحوظة في كل من الصادرات والواردات خلال الأشهر التي تلت اندلاع الحرب في السابع من أكتوبر عام 2023

ما يبعث برسالة واضحة بأن العلاقات الاقتصادية لم تتأثر بصوت الشارع الرافض لاستمرار هذه التجارة وهو ما يفتح النقاش حول التناقض بين المشاعر الشعبية والقرارات السياسية.

الإمارات: الرائدة في الخيانة الاقتصادية

تتصدر الإمارات المشهد كأكثر دولة عربية تعزز تجارتها مع إسرائيل حيث يكشف مركز الإحصاء الإسرائيلي أن حجم التبادل التجاري بين الجانبين وصل إلى 2.8 مليار دولار خلال الفترة من أكتوبر 2023 وحتى نهاية أغسطس 2024

وتشير الأرقام إلى أن صادرات الإمارات إلى إسرائيل سجلت 2.286 مليار دولار وهو ما يمثل زيادة قدرها 122 مليون دولار مقارنة بنفس الفترة من العامين الماضيين مما يؤكد أن السوق الإماراتي أصبح ركيزة أساسية في دعم الاقتصاد الإسرائيلي.

تُظهر البيانات كذلك أن الإمارات تحتل المرتبة الأولى في استيراد المنتجات الإسرائيلية حيث بلغت قيمة الواردات 516.1 مليون دولار

وهي كمية أقل قليلاً من الواردات خلال نفس الفترة من عامي 2022 و2023 والتي كانت 645.5 مليون دولار ما يشير إلى رغبة مستمرة في الاستفادة من العلاقات التجارية رغم ما تحمله من تداعيات أخلاقية.

مصر: تزايد مخجل في العلاقات التجارية

تأتي مصر في المرتبة الثانية بين الدول العربية من حيث حجم التبادل التجاري مع إسرائيل حيث سجلت قيمة التجارة 548.4 مليون دولار

وهو ما يمثل زيادة ملحوظة عن نفس الفترة من العامين السابقين والتي كانت 326 مليون دولار

حيث تجاوزت صادرات مصر إلى إسرائيل 193.9 مليون دولار أي بزيادة عن العامين السابقين

بينما تضاعفت واردات مصر من إسرائيل إلى 354.5 مليون دولار ما يمثل ارتفاعاً بنسبة 141% عما كانت عليه في الفترة نفسها من السنوات السابقة.

إن هذه الأرقام تعكس تناقضاً صارخاً بين موقف الشارع المصري الغاضب من العدوان الإسرائيلي والممارسات الاقتصادية التي تستمر في تعزيز العلاقات مع الاحتلال

وهو ما يثير تساؤلات حول مدى تأثير الضغوط الشعبية على السياسات الاقتصادية للدولة.

الأردن: نمواً في التجارة رغم الرفض الشعبي

بينما يتواصل القتال في غزة يأتي الأردن في المرتبة الثالثة من حيث التبادل التجاري مع إسرائيل حيث بلغت القيمة 398.5 مليون دولار منذ أكتوبر 2023 وحتى نهاية أغسطس 2024

وظهرت الأرقام كدليل على أن الأردن زاد من وارداته من إسرائيل بنسبة 34.5% حيث وصلت إلى 96.9 مليون دولار مما يظهر تزايد الاعتماد على السوق الإسرائيلي رغم الرفض الشعبي المتزايد.

الصادرات الأردنية إلى إسرائيل بلغت 301.6 مليون دولار وهو ما يُعتبر انخفاضاً مقارنة بالفترة المماثلة من العام الماضي مما يُشير إلى تغيير في ديناميكية السوق الأردني

ولكن في ذات الوقت فإن زيادة الواردات من الاحتلال تعكس استمرار الاعتماد على المنتجات الإسرائيلية بشكل يتعارض مع المواقف الشعبية.

المغرب: تقدم ملحوظ في العلاقات التجارية

شهد المغرب كذلك زيادة ملحوظة في العلاقات التجارية مع إسرائيل حيث بلغ حجم التبادل التجاري 143 مليون دولار خلال نفس الفترة

حيث ضاعفت الواردات المغربية من إسرائيل بنسبة 129.2% ليصل المجموع إلى 129.5 مليون دولار وهو ما يُظهر رغبة واضحة في تعزيز العلاقات التجارية مع الاحتلال رغم المواقف الشعبية الرافضة لذلك.

وفيما يتعلق بالصادرات فقد سجلت قيمة الصادرات الإسرائيلية إلى المغرب 13.5 مليون دولار

وهو ما يمثل زيادة طفيفة عن السنوات السابقة مما يعكس حركة تجارية مستمرة رغم الأزمات التي يمر بها القطاع الفلسطيني مما يزيد من الانتقادات الموجهة للمغرب.

البحرين: قفزات مذهلة في التجارة

أما البحرين فقد شهدت قفزات هائلة في التبادل التجاري مع إسرائيل حيث سجلت زيادة بنسبة 791.8%

حيث وصل حجم التبادل إلى 109.6 مليون دولار ما يعدّ علامة استفهام كبيرة في ظل الأوضاع الحالية وتزايد الغضب الشعبي العربي.

تظهر الأرقام أن صادرات البحرين إلى إسرائيل بلغت 102.4 مليون دولار في حين أن وارداتها من الاحتلال زادت بنسبة 166% مما يضع البحرين في واجهة النقاش حول دور التجارة في تعزيز السياسات الخارجية في المنطقة.

الازدواجية في المواقف

ما يظهر من البيانات هو أن الدول العربية المطبعة مع إسرائيل تواجه ازدواجية مقلقة بين الموقف الشعبي الرافض للاحتلال

والرغبة المستمرة في تعزيز العلاقات التجارية مع إسرائيل مما يطرح تساؤلات عميقة حول القيم والمبادئ التي يُفترض أن تُحرك هذه الدول.

أزمة القيم أصبحت واضحة في الساحة العربية حيث تبرز التناقضات بين السياسات الاقتصادية والمشاعر الشعبية

حيث يبدو أن المصالح الاقتصادية في بعض الأحيان تتجاوز القيم الوطنية والمبادئ الإنسانية.

هل يمكن أن يستمر هذا التناقض أم ستحين اللحظة التي ينتفض فيها الشارع العربي ليضع حداً لهذه العلاقة المزرية مع الاحتلال؟

أم أن الوضع سيبقى كما هو مما يسمح لتلك العلاقات بالتقدم والازدهار بينما يتألم الفلسطينيون تحت وطأة الاحتلال والعدوان؟

هذه الأسئلة تظل مفتوحة في ظل التطورات المتسارعة التي يشهدها المشهد الإقليمي.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى