تقاريرفلسطين

حرب الإبادة على غزة: جثث وجرحى وانهيار اقتصادي واستمرار المقاومة

في ظل استمرار العدوان الهمجي من قوات الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، شهد العالم حجم الدمار والخراب الذي يلف المدينة المحاصرة ويزيد من معاناة أهلها الأبرياء.

الحرب، التي دخلت عامها الأول منذ السابع من أكتوبر، أصبحت مرآة للوحشية المنظمة التي تمارسها قوات الاحتلال بشكل ممنهج في محاولة مستمرة لإخضاع الفلسطينيين.

وقد توالت التحذيرات الدولية والتنديدات القوية التي ترفض هذه الانتهاكات الصارخة، لكنها تصطدم بحائط الصمت والتواطؤ الذي تفرضه بعض القوى الكبرى.

لقد شهدت غزة خلال هذا العام الدامي أسوأ أنواع القصف الجوي والبري، الذي خلف مئات القتلى والجرحى، فضلاً عن الأضرار الكارثية التي أصابت البنية التحتية والاقتصاد المحلي.

معارك عنيفة شهدتها شوارع القطاع، حيث تكبد العدو الصهيوني خسائر فادحة، سواء في الأرواح أو المعدات، ومع كل ذلك فإن المقاومة الفلسطينية، بقيادة كتائب القسام وفصائل المقاومة الأخرى، تواصل التصدي ببسالة لمحاولات الاحتلال المستمرة في تحقيق أهدافه.

الأرقام المتداولة التي تصدرها وسائل الإعلام التابعة للاحتلال تكشف عن حجم الكارثة التي تعيشها إسرائيل، حيث تم الاعتراف بمقتل 385 شخصا وإصابة 3072 آخرين، بينهم 230 في حالة خطرة، وهذا يشمل فقط ما تجرأ جيش الاحتلال على الإعلان عنه.

أما على الجانب الفلسطيني، فقد كانت النكبة أشد وأعنف بكثير، مع استهداف الاحتلال المتعمد للمدنيين والمباني السكنية والمرافق الحيوية.

في اليوم المشؤوم السابع من أكتوبر، بلغت الخسائر البشرية للاحتلال ذروتها، مع اعتراف الجيش بمقتل 1200 شخص في هذا اليوم وحده.

وتستمر قائمة القتلى في الارتفاع، حيث وصل عدد الضباط والجنود الذين لقوا حتفهم خلال الحرب إلى أكثر من 715، بالإضافة إلى 59 شرطيا و10 من جهاز الشاباك.

وبينما يتعمد الاحتلال الإسرائيلي إخفاء حجم خسائره العسكرية، تشير التقديرات إلى أن ما يقارب 12500 جندي وضابط سيتم الاعتراف بهم كمعاقين بشكل دائم بسبب الإصابات التي تعرضوا لها خلال المعارك في غزة. ومن المتوقع أن يصل عدد الجنود الذين سيطلبون الاعتراف بإعاقتهم إلى 20000 خلال العام الجاري.

وبالنظر إلى الأعداد المهولة من الجرحى، تشير التقارير إلى إصابة 11549 شخصاً، بينهم 5000 جندي. وسيتم تصنيف 3400 من هؤلاء الجنود كمعاقين، مع إضافة أكثر من 1000 جندي آخرين من النظاميين والعسكريين إلى القائمة نفسها.

والكارثة لا تقف عند هذا الحد؛ فقد تم التستر على عشرات القتلى والجرحى في الجبهة الشمالية منذ بداية الحرب، في محاولة من الاحتلال لإخفاء حجم الخسائر البشرية التي تتزايد يومًا بعد يوم.

على الجانب العسكري، نجحت المقاومة في تدمير مئات الآليات العسكرية الإسرائيلية، حيث تم تسجيل تدمير 1583 دبابة ومدرعة وجرافة وناقلة جند جزئيًا أو كليًا منذ بداية التوغل البري.

وهذا إلى جانب استهداف آلاف تجمعات العدو في جميع أنحاء الأراضي المحتلة، بما في ذلك غرف القيادة العسكرية المتقدمة والقواعد العسكرية وقوات العدو الراجلة والمروحيات العسكرية وطائرات الاستطلاع.

لقد نفذت المقاومة ضربات مؤلمة داخل العمق الإسرائيلي، مستهدفة عشرات المدن والبلدات والمستوطنات برشقات صاروخية قوية، ما أدى إلى نزوح جماعي للسكان.

وتشير الأرقام إلى أن نصف مليون مستوطن فروا خارج إسرائيل منذ بدء العدوان، في حين نزح 500 ألف آخرين داخل إسرائيل نفسها، سواء من الجنوب أو الشمال، هربًا من القصف والدمار.

وبالتوازي مع ذلك، انخفضت معدلات الهجرة اليهودية إلى إسرائيل بشكل كبير، حيث تراجعت بنسبة 50% في أكتوبر مقارنة ببداية العام، ووصل التراجع إلى 70% في نوفمبر.

تظهر الأرقام التي تصدرها هيئة الإحصاء الإسرائيلية أن موجة النزوح العكسية تضاعفت، حيث زاد عدد المغادرين من إسرائيل بنسبة 285% مقارنة بالفترة نفسها من عام 2022.

وهذا النزوح الجماعي يعكس حالة الذعر وعدم الثقة التي تعصف بالمجتمع الإسرائيلي، خاصة مع استمرار الحرب وتصاعد المقاومة.

الأسرى يمثلون جانبًا آخر من الأزمة. ففي السابع من أكتوبر، نجحت المقاومة في أسر 242 إسرائيليًا، وتم الإفراج عن 81 منهم ضمن صفقات تبادل مع أسرى فلسطينيين.

ومع ذلك، تشير التقديرات الرسمية الإسرائيلية إلى أن عدد الرهائن الذين ما زالوا في قبضة المقاومة في غزة هو 101، بينهم أربعة أسرى من عامي 2014 و2015. هذا الوضع يعقد المشهد أكثر، خاصة مع رفض الاحتلال تقديم تنازلات لإطلاق سراحهم.

اقتصاديًا، تعيش إسرائيل كارثة غير مسبوقة. فقد أغلقت 60000 شركة أبوابها، أو في طريقها للإغلاق مع نهاية هذا العام.

وتراجعت الاستثمارات بشكل حاد، وانسحبت عشرات مليارات الدولارات من الاقتصاد، الذي تقلص بنسبة كبيرة بسبب الحرب.

وتشير التقارير إلى أن الخسائر الاقتصادية لإسرائيل قد تتجاوز 200 مليار دولار أميركي بحلول نهاية عام 2025، وهو ما يعادل 40% من الناتج المحلي الإجمالي، منها 100 مليار دولار خسائر مباشرة على الخزينة.

وتتوقع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) أن الانكماش الاقتصادي الإسرائيلي سيستمر، خاصة مع توقع تراجع الاقتصاد بنسبة 4.1% في الربع الأخير من عام 2023، وانكماشه بشكل أكبر في الربعين الأول والثاني من العام الجاري.

والقطاع السياحي شهد خسائر هائلة، حيث فقد 75% من زبائنه الأجانب، بينما هرب المستثمرون من قطاع التكنولوجيا، الذي يعتمد عليه الاقتصاد الإسرائيلي بشكل كبير لجذب الاستثمارات الأجنبية وتوليد النقد الأجنبي.

وفيما يخص الإنفاق العسكري، تضاعفت الأعباء المالية على إسرائيل بشكل يومي، حيث تنفق أكثر من 250 مليون دولار أميركي يوميًا على الحرب.

واستخدمت إسرائيل أحدث تقنياتها العسكرية المكلفة في عملياتها الأخيرة، خاصة تلك التي نفذتها في لبنان.

وقدرت تكلفة الإنفاق العسكري السنوي بين 22.5 و32.5 مليار دولار أميركي، وهو ما يضع ضغطًا هائلًا على الميزانية الإسرائيلية التي تواجه عجزًا متزايدًا.

التقارير المالية الدولية ليست مبشرة على الإطلاق. فقد خفضت وكالة التصنيف الائتماني “موديز” تصنيف إسرائيل مرتين هذا العام، مبررة ذلك بتزايد الصراع وتوسعه وعدم وجود استراتيجية واضحة للخروج من هذا المأزق.

وهذا التخفيض يلقي بظلاله على الثقة الدولية في الاقتصاد الإسرائيلي، الذي يعاني من تراجع ملحوظ في قطاع التكنولوجيا،

حيث باتت العديد من الشركات العالمية تتردد في استيراد المنتجات التكنولوجية الإسرائيلية بسبب المخاوف من وجود أجهزة تنصت أو متفجرات مخفية في تلك المنتجات.

ومن الجدير بالذكر أن 50% من صادرات إسرائيل تعتمد على التكنولوجيا، مما يضع الاقتصاد الإسرائيلي في مواجهة تحديات أكبر خلال الفترة المقبلة.

العدوان على لبنان، وخاصة عملية تفجير “البايجرز”، التي نفذتها القوات الإسرائيلية، زادت من العزلة الدولية لإسرائيل.

وهذه العملية التي أوقعت آلاف الضحايا، أثرت بشكل مباشر على علاقات إسرائيل التجارية، وأدت إلى فقدان الثقة الدولية في جودة وصحة المنتجات الإسرائيلية.

ورغم كل هذه الأزمات التي تعصف بإسرائيل، فإن الاحتلال لا يزال يواصل عدوانه على غزة، في محاولة يائسة لتحقيق نصر عسكري.

ولكن مع تصاعد الضغط الدولي والرفض المتزايد للجرائم المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني، يبدو أن إسرائيل تقف أمام مفترق طرق خطير، حيث تزداد التحديات العسكرية والاقتصادية يوماً بعد يوم، فيما تتصاعد المقاومة وتعزز من قدراتها

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button