الفساد يغمر حزب الوفد: رئيس الحزب يحمي المجرمين ويشرع لهم قرارات مريبة
مازال حزب الوفد العريق غارقًا في مستنقع الفساد الذي يبدو أنه لا يتوقف، إذ بات رئيس الحزب الدرع الواقي للفاسدين والمحتالين داخل صفوف الحزب، متجاوزًا كافة حدود الأخلاق والشرعية في حماية هؤلاء من العدالة وإعادة تسليمهم مواقعهم وكأن شيئًا لم يكن.
ما حدث مؤخرًا يبرهن على مدى التردي الذي بلغته القيادة الحزبية، مع إصدار الدكتور عبدالسند يمامة رئيس حزب الوفد قرارًا باطلًا قانونيًا لحماية المحتالين والنصابين من المحاسبة.
ووفقًا لفتوى صادرة من المستشار القانوني لرئيس الحزب، حسين حلمي، فإن اللجنة المركزية للتنظيم بحزب الوفد التي يرأسها النائب الدكتور ياسر الهضيبي قد تم إعلان بطلانها.
قرار رئيس حزب الوفد يأتي بعد اتخاذ اللجنة برئاسة الدكتور ياسر الهضيبي قرارًا جماعيًا بفصل محمد مجدي فرحات عبدالوهاب، الشهير بـ”أرنب”، بعد أن تم اتهامه في عدة قضايا نصب واحتيال، ليس فقط ضد أعضاء الحزب، بل ضد مواطنين من خارجه.
تلك القضايا لم تكن مجرد اتهامات بل ثبتت ضد “أرنب” أحكام قضائية متعددة، في مقدمتها القضية رقم 7358 لسنة 2022 بحصر رقم 2673 لسنة 2024 بمحكمة مصر القديمة والتي صدر فيها حكم بالحبس لمدة سنتين بتهمة التبديد.
ولم تكن هذه القضية الوحيدة، فهناك أيضًا القضية رقم 7958 لسنة 2022 بحصر رقم 6496 لسنة 2022 بنفس المحكمة وحُكم عليه أيضًا بالحبس لمدة سنتين في قضية تبديد أخرى.
وكأن مسلسل الأحكام لا يتوقف، جاءت القضية رقم 9409 لسنة 2023 بحصر رقم 4801 لسنة 2023 حيث تم الحكم على “أرنب” بالحبس لمدة سنة، إضافة إلى القضية رقم 9539 لسنة 2023 بحصر رقم 4789 لسنة 2023 والتي حملت حكمًا آخر بالحبس لمدة سنتين، وكل هذه القضايا تدور في إطار تهمة التبديد.
وهناك أيضًا القضية رقم 4451 لسنة 2024 بحصر رقم 1895 لسنة 2024 المتعلقة بتحرير شيكات بدون رصيد، التي صدر فيها حكم بالغرامة قدرها 20,000 جنيه مع كفالة قيمتها 2000 جنيه.
كما تم الحكم عليه في القضية رقم 9407 لسنة 2023 بحصر رقم 4693 لسنة 2023 بالحبس لمدة 8 شهور، والقضية رقم 9408 لسنة 2023 بحصر رقم 4856 لسنة 2023 بحبس 3 شهور، وأخيرًا القضية رقم 9410 لسنة 2023 بحصر رقم 3594 لسنة 2024 بحبس 3 شهور أيضًا.
بناءً على هذه الأحكام، أصدرت وحدة مباحث تنفيذ الأحكام التابعة لقسم شرطة مصر القديمة خطابًا رسميًا في 19 سبتمبر الماضي، إلى مأمور قسم شرطة الدقي، مطالبة بضبط وإحضار المحكوم عليه محمد مجدي فرحات عبدالوهاب الشهير بـ”أرنب”، المقيم في 1 شارع بولس حنا، المتفرع من شارع التحرير بمنطقة الدقي، وهو العنوان الذي يتوافق مع مقر حزب الوفد.
وقد جاء هذا الخطاب في ضوء الحكم الصادر في القضية رقم 7358 لسنة 2022 والذي صدر فيه حكم استئناف حبس لمدة سنتين بتاريخ 28 مايو الماضي.
وصل إلى مقر حزب الوفد في 3 أكتوبر الحالي، قوة من تنفيذ الأحكام بقسم الدقي لتنفيذ القرار، حيث تم مقابلة رئيس حزب الوفد وتم تسليمه نسخة من قرار الضبط والإحضار الخاص بمحمد مجدي فرحات عبدالوهاب، إلا أن المفاجأة المدوية كانت في تهريب رئيس الحزب لـ “أرنب” من الباب الخلفي لمقر الحزب، هروبًا من القبض عليه.
لقد كانت هذه الحادثة واحدة من العديد من الشواهد التي تؤكد تورط رئيس الحزب في حماية المتورطين في قضايا فساد واحتيال، بدلًا من محاسبتهم أو على الأقل إبعادهم عن صفوف الحزب.
وفي ظل هذا التستر، لم يتم التصديق على قرار فصل محمد مجدي فرحات عبدالوهاب، رغم وضوح التهمة وسلسلة الأحكام القضائية الصادرة بحقه.
يبدو أن الفساد قد تفشى في أروقة الحزب حتى باتت المعايير الأساسية لعضوية الحزب مثل حسن السمعة والسير والسلوك مجرد شعارات لا تجد لها صدى في الواقع.
بل الأكثر دهشة، أن رئيس حزب الوفد لم يكتفِ بالتغطية على فساد محمد مجدي فرحات عبدالوهاب، بل قرر حل لجنة التنظيم المركزية بحجة أنها غير قانونية وأن ولايتها قد انتهت، وذلك لكي يتمكن من إعادة أتباعه الذين سبق فصلهم من الحزب لأسباب مشابهة.
ومن بين هؤلاء لواء الشرطة السابق سفير نور، الذي تورط في فضيحة بيع الآثار المصرية داخل غرفة الهيئة العليا لحزب الوفد، وأيضًا أحمد الخطيب، الذراع الأيمن لرئيس الحزب، الذي تم فصله بعد تورطه في واقعة سب وقذف لعموم أعضاء الحزب داخل مكتب رئيس الحزب، واصفًا إياهم بأبشع الألفاظ.
رئيس حزب الوفد، في محاولاته المستميتة لإعادة هؤلاء إلى الحياة الحزبية، يتجاهل تمامًا كافة الأحكام والقوانين، بل يتجرأ على حماية منتهكي القوانين من المساءلة، وكأن العدالة لا مكان لها في صفوف الحزب.
آخر هذه المحاولات كانت منع فصل أحمد جمعة، مساعد رئيس حزب الوفد، بعد تورطه في واقعة سب وقذف للنائب الوفدي محمد عبدالعليم داوود، رئيس الهيئة البرلمانية لحزب الوفد بمجلس النواب.
ويسعى أحمد جمعة بشكل محموم لإقالة عبدالعليم داوود من منصبه، عبر التأثير على رئيس حزب الوفد الذي يبدو أنه يتجاوب مع هذه المحاولات.
إن ما يحدث داخل حزب الوفد يعكس واقعًا مريرًا وحالة من الفوضى التي لا يمكن أن تستمر دون مساءلة. كيف لحزب عريق مثل الوفد أن يتحول إلى مرتع للفساد وحماية المجرمين، بل ويتجرأ رئيسه على استخدام سلطاته لتشريع قرارات باطلة تحمي من صدرت ضدهم أحكام قضائية؟
إن ما يقوم به رئيس الحزب هو في حقيقة الأمر تضليل للعدالة وإفلات للمجرمين من العقاب، ما يجعل التساؤل مطروحًا حول مستقبل الحزب ودوره السياسي في ظل هذه الإدارة الفاسدة.
الاستمرار في هذه الممارسات يعني أن الحزب سيظل غارقًا في الوحل، وأن العدالة ستظل بعيدة المنال في أروقة الوفد.
لن يتمكن الحزب من استعادة مصداقيته طالما استمرت القيادة الحالية في حماية الفاسدين وتهميش المبادئ والقيم التي تأسس عليها.