كارثة مياه الصرف تُغرق مدرسة ببورسعيد وتفضح بنية تحتية متهالكة
في حادثة صادمة تجسّد الفشل الذريع في إدارة البنية التحتية لمنشآت التعليم في مصر، شهدت محافظة بورسعيد كارثة بيئية وإنسانية بعد أن غرق فناء مجمع مدارس “محمد السيد وحسن البدراوي” التجريبي للغات في مياه الصرف الصحي، مما أثار حالة من الهلع والغضب بين أولياء الأمور والعاملين بالمدرسة.
وهذا الحدث الكارثي يسلّط الضوء بشكل صارخ على التقاعس الحكومي المستمر، إذ يتكرر سيناريو انهيار البنية التحتية من وقت لآخر دون حلول جذرية، وكأن النظام الحالي ينتظر وقوع كوارث أكبر لتبدأ ردود الأفعال الروتينية المتأخرة.
الواقعة بدأت بشكل مفاجئ وصادم حيث اكتشف العاملون بالمدرسة تدفق كميات ضخمة من مياه الصرف الصحي إلى الفناء في ساعات الصباح المبكرة، مما أدى إلى غرق كامل الساحة وأجزاء من مباني المدرسة.
وكان ذلك تزامنًا مع بدء اليوم الدراسي مما تسبب في حالة من الفوضى والذعر بين الطلاب والمعلمين على حد سواء.
ولم يكن أحد يتوقع أن مشهدًا بهذا الحجم قد يحدث داخل مؤسسة تعليمية، حيث يفترض أن يكون هذا المكان هو حاضنة العلم والنشء، وليس مستنقعًا لمياه الصرف الصحي الملوثة.
في أعقاب الكارثة، هرعت الإدارات المعنية بإدارة حي الشرق، بقيادة رئيسة الحي لمياء الجيار، إلى موقع الحادث في محاولة يائسة لاحتواء الموقف.
وتم استدعاء فرق من الشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحي للعمل على إصلاح الكسر في ماسورة المياه ذات القطر الكبير (8 بوصة) المحيطة بالمدرسة في منطقة الجولف.
ورغم سرعة التحرك نسبيًا، إلا أن الأمر كان أكبر من مجرد “كسر ماسورة”، فالأضرار التي لحقت بالمدرسة والبنية التحتية المحيطة بها كانت جسيمة بما يكفي لجعل الإصلاحات بمثابة مسكن مؤقت لا أكثر.
البيان الصادر عن الحي أشار إلى أن الكسر في الماسورة تم إصلاحه، وأن عمليات شفط المياه المتجمعة ما زالت جارية بواسطة سيارات الشفط التابعة للحي.
وغير أن ما يغيب عن هذه البيانات الرسمية هو الاعتراف بمدى التدهور المستمر في البنية التحتية للشبكة الصحية في المنطقة بأكملها،
وهو ما يشير بوضوح إلى وجود مشكلة أعمق تتجاوز حدود هذه المدرسة أو ذلك الكسر المحدد. إن الإصلاحات المؤقتة هنا وهناك لا تعني سوى تأجيل المشكلة، وليست حلًا حقيقيًا لها.
في مشهد يوحي بالتناقض الساخر، كان الطلاب في الوقت الذي تُصلح فيه الماسورة وتتجمع سيارات الشفط خارج المدرسة، يعيشون لحظات من الذعر والقلق، حيث تسربت المياه الملوثة إلى محيطهم الدراسي وأصبحت تهدد صحتهم بشكل مباشر.
وكان العديد من أولياء الأمور قد أعربوا عن قلقهم البالغ من استمرار غياب إجراءات الأمان والصيانة اللازمة داخل المدرسة، متسائلين عن كيفية السماح بتفاقم الوضع إلى هذه الدرجة.
فالمدرسة ليست مجرد مكان لتلقي العلم بل هي أيضًا بيئة يجب أن تضمن سلامة الطلاب من الأخطار الصحية والبيئية، وهو ما يبدو أنه غير متوفر في الحالة الراهنة.
الأزمة تعكس وضعًا أوسع وأشمل يتجاوز حدود مدرسة بعينها في بورسعيد، حيث أصبحت مشاكل البنية التحتية في العديد من المدارس ظاهرة متكررة لا تُعالج إلا بقرارات فورية ومتسرعة.
والحقيقة أن هذه الكارثة لم تكن الأولى من نوعها، بل شهدت محافظات مصرية أخرى حوادث مماثلة، إذ شهدت العديد من المؤسسات التعليمية مشكلات مشابهة تتعلق بالبنية التحتية، سواء كانت تسربات في المياه أو انهيارات في الأسقف أو حوادث تلوث بيئي.
ويبقى السؤال المطروح: أين الرقابة الحكومية التي من المفترض أن تضمن أن تظل المدارس آمنة وصالحة للاستخدام التعليمي؟
الغريب في الأمر أن إدارة التعليم في بورسعيد لم تصدر حتى اللحظة أي بيان رسمي يُوضح تفاصيل الحادثة أو الخطوات التي سيتم اتخاذها لضمان عدم تكرارها، وكأن الأمر ليس إلا حادثة بسيطة ستمر كسابقتها دون محاسبة أو مساءلة.
هذا الصمت المريب يثير مزيدًا من الشكوك حول مدى جدية الجهات المسؤولة في التعامل مع أزمات البنية التحتية التي أصبحت أمرًا معتادًا في الكثير من المنشآت الحكومية، وليس فقط المدارس.
فأين كانت الجهات المسؤولة قبل وقوع الكارثة؟ ولماذا لم تتم صيانة الشبكة الصحية بشكل دوري لتفادي مثل هذه الحوادث؟ ولماذا يُترك الأمر حتى يحدث الانفجار الكبير لتبدأ محاولات التدارك اليائسة؟
يؤكد العديد من الخبراء أن هذه المشكلة ما هي إلا عرض لأزمة أعمق بكثير ترتبط بتدهور جودة خدمات المرافق العامة في مختلف القطاعات.
ورغم ما يتم الترويج له من مشاريع تطوير البنية التحتية في مصر، إلا أن واقع الحال يشير إلى عكس ذلك تمامًا، حيث أصبحت مظاهر الإهمال والتراخي هي السمة المميزة لمعظم المؤسسات الحكومية،
مما يدفع المواطنين إلى التساؤل: إلى متى سيظل هذا الوضع الكارثي مستمرًا؟ وهل هناك أمل حقيقي في تحسن الأوضاع؟
وفي حين تحاول بعض الجهات التهوين من حجم الكارثة بالتركيز على “سرعة” الاستجابة لإصلاح العطل، فإن الصور التي تم تداولها عبر وسائل التواصل الاجتماعي تُظهر مشهدًا يفوق التصور،
حيث غمرت المياه الملوثة أجزاء كبيرة من الفناء وبعض الأروقة، وهو ما ينذر بكارثة صحية بيئية قد تترك آثارًا طويلة الأمد على صحة الطلاب والمعلمين.
وفي الوقت الذي تتحدث فيه الجهات الرسمية عن العودة إلى الوضع الطبيعي “بعد الإصلاحات”، يبقى التساؤل قائمًا: هل سيظل هذا الوضع على ما هو عليه حتى تحدث كارثة أكبر؟
أم أن هناك نية حقيقية لاتخاذ خطوات جذرية لضمان عدم تكرار هذا السيناريو المخزي؟ الأوضاع التي شهدتها المدرسة ليست حالة فردية بل تمثل نموذجًا مصغرًا لما يعاني منه قطاع التعليم في مصر من مشاكل هيكلية كبيرة، في ظل غياب خطة استراتيجية واضحة المعالم للتعامل مع هذه الأزمات بشكل حاسم ومستدام.
الغضب الشعبي الذي أعقب هذا الحادث ليس مجرد رد فعل على وقوع مشكلة محلية، بل هو تعبير عن استياء واسع النطاق من النظام التعليمي والبنية التحتية المرتبطة به، والتي تبدو في حالة تدهور مستمر رغم الوعود الحكومية المتكررة بتحسين الأوضاع.
من يظن أن إصلاح ماسورة مياه أو شفط كمية من المياه الملوثة سيكون كافيًا لتهدئة الرأي العام فهو واهم. فالناس أصبحت على وعي تام بأن المشكلة تتجاوز حدود هذا الحادث العابر لتصل إلى جذور إدارة البنية التحتية في البلاد بشكل عام.
وبينما تستمر السلطات في محاولاتها لاحتواء الأزمة الحالية عبر إصلاحات سطحية لا تتجاوز معالجة الأعراض الظاهرة، يظل الوضع الكارثي للبنية التحتية في المدارس المصرية أحد أكبر التحديات التي تواجهها الدولة.
لا يمكن الحديث عن مستقبل مشرق للتعليم في ظل بنية تحتية منهارة تهدد صحة وسلامة الطلاب في كل يوم دراسي. إن هذه الحادثة تضع الجميع أمام مسؤولياتهم، سواء كانوا من صناع القرار أو المواطنين، فلا يمكن تجاهلها أو التعامل معها كمجرد “حادث عرضي”.
ما حدث في مدرسة محمد السيد وحسن البدراوي التجريبية للغات هو إنذار شديد اللهجة بضرورة التحرك الفوري والعاجل لتحسين الأوضاع قبل أن تتفاقم الأمور بشكل أكبر.
لا يجب أن يُترك مستقبل الأجيال القادمة رهينة لإهمال وتقصير بعض الجهات المسؤولة. المسؤولية هنا جماعية وتتطلب من الجميع التحرك السريع لوضع خطة شاملة وفعالة لمعالجة هذه المشكلات الجذرية.
الوقت ليس في صالحنا، وما لم تكن هناك إجراءات حقيقية وعملية على الأرض، فإن الكوارث القادمة قد تكون أكثر تدميرًا.