سد النهضة: أزمة مياه تهدد مستقبل مصر والسودان
صورة فضائية حديثة تلقي بظلالها القاتمة على الأوضاع في منطقة سد النهضة تكشف عن مشهد مثير للقلق لا يترك مجالاً للشك فمخزون المياه في بحيرة السد لا يزال ثابتاً عند 60 مليار متر مكعب والأمور تتجه نحو السيناريو الأسوأ هذا
بينما تشير المعطيات إلى توقف كامل للتوربينات المولدة للكهرباء في ظل انخفاض حاد في معدل الأمطار خلال شهر أكتوبر الحالي الأمر الذي يضاعف من التحديات التي تواجه دولتي المصب مصر والسودان
التقارير تشير إلى أن عمل التوربينات الأربعة في السد متوقف منذ أوائل سبتمبر الماضي وهو ما يضع علامة استفهام كبيرة حول قدرة إثيوبيا على التعامل مع فيضان هذا العام دون اللجوء إلى فتح المزيد من بوابات المفيض
وبالفعل أُغلقت إحدى بوابات المفيض العلوية بينما تم الإبقاء على اثنتين فقط مما ينذر بمخاطر جمة على مستويات المياه في نهر النيل
الدكتور عباس شراقي أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة يعبر عن قلقه البالغ حيث يؤكد أن التوربينات لو كانت تعمل لتمكنت من تمرير معظم الفيضان الحالي دون الحاجة لفتح أي بوابات للمفيض
ومع استمرار الوضع الحالي فإن العواقب ستكون وخيمة على دولتي المصب خاصة مصر التي تعاني من نقص حاد في موارد المياه
الحكومة المصرية لم تتأخر في التحذير فقد أكد الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء أن أي تطورات في ملف سد النهضة سيكون لها تبعات جسيمة على حصة مصر من مياه النيل
مشيراً إلى أن الدولة لا تتجه لمواجهة إثيوبيا وإنما تسعى لحماية مصالحها الوطنية وسلامة مواطنيها من تداعيات هذا المشروع الكارثي الذي يلوح في الأفق
مدبولي أوضح أن مصر ليست ضد التنمية لكن ضد أي إجراءات تؤثر سلبياً على حصتها من المياه مؤكداً أن الحكومة قامت بما هو مطلوب لتقليل الأضرار الناتجة عن سد النهضة
ومع تزايد الضغوط والمشكلات التي تعاني منها البلاد فإن الوضع يتطلب تفكيراً عميقاً وإجراءات صارمة لحماية المصالح المصرية
وعلى الرغم من الموقف الثابت للحكومة إلا أن هناك مشاعر من القلق في الشارع المصري حول كيفية التعامل مع الوضع المتأزم فقد عاشت البلاد في أزمات متتالية منذ فترة طويلة
ومواجهة التحديات الناتجة عن سد النهضة ليس بالأمر السهل حيث إن تراكم المشكلات دفع الدولة للتدخل في جميع القضايا في وقت واحد مما يزيد من الضغوط على الموارد الاقتصادية
تلك الضغوط تعكس بشكل مباشر الحالة الهشة للبنية التحتية في مصر حيث يشير مدبولي إلى أن الاعتماد على المواصلات العامة
بدلاً من الخاصة كان ضرورياً نظراً لتدهور البنية التحتية الأمر الذي يتطلب استثمارات ضخمة في جميع القطاعات لضمان تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين وسط تزايد الحاجة إلى تطوير الرقعة السكانية
ومع كل ذلك فإن الأرقام تتحدث عن نفسها حيث أصبحت نسبة الجزء المعمور في مصر لا تتجاوز 12 بالمئة وهو ما يثير مخاوف كبيرة حول مستقبل البلاد في ظل زيادة سكانية متسارعة وفشل مستمر في عمليات التنمية
بينما يتجه الوضع نحو تصعيد أزمة المياه فإن الحكومة المصرية تواجه تحديات خارجية معقدة تفرض عليها أعباء اقتصادية كبيرة الأمر الذي يستدعي استراتيجيات فورية ومبتكرة للتعامل مع تداعيات سد النهضة وتجنب الكارثة التي تلوح في الأفق
إن الأمل في التوصل إلى اتفاق مع إثيوبيا يبدو بعيد المنال في الوقت الحالي حيث تتزايد المؤشرات على أن المفاوضات لن تؤدي إلى نتائج إيجابية في ظل التصريحات المتناقضة والمواقف السياسية المتباينة مما يترك مصر أمام خيار وحيد وهو التصدي للأزمة بشكل مباشر
كل هذه الظروف تعكس حالة من التوتر المتزايد وتطرح تساؤلات مصيرية حول كيفية التصرف في ظل وضع يزداد تعقيداً يوماً بعد يوم والوقت لم يعد في صالح أحد في ظل التحديات المستمرة التي تواجهها المنطقة بأسرها والمخاطر التي تهدد الأمن المائي لمصر والسودان
إن العواقب الوخيمة لهذه الأزمة تتطلب استجابة فورية وفعالة من جميع الجهات المعنية لضمان حماية حقوق مصر في مياه النيل والحفاظ على الأمن الغذائي والاقتصادي للبلاد في مواجهة خطر يلوح في الأفق
ويهدد مستقبل الملايين إن لم يتم التعامل معه بحذر وحزم فالمسألة ليست مجرد أزمة مياه بل هي قضية وجودية تستدعي أقصى درجات الحذر والانتباه