تتواصل تداعيات الكارثة المالية التي أصابت السودان بعد انهيار منصة الاحتيال الرقمي “2139” والتي أسفرت عن خسائر فادحة وتدمير أحلام العديد من المواطنين الذين انجروا وراء وعود وهمية لتحقيق ثروات طائلة في زمن قياسي.
بات الندم والصدمة يسيطران على المشهد حيث يعيش الضحايا في حالة من الذهول بعد أن تحطمت آمالهم في تحقيق أحلامهم.
قصة واحدة من الضحايا تلخص المأساة، حيث تروي شابة سودانية كيف أنها تلقت من خطيبها مبلغ ألف دولار لشراء مستلزمات زواجها، لكنها وقعَت في فخ صديقتها التي أقنعتها باستثمار المبلغ في منصة “2139”. النتيجة كانت كارثية، فقدت كل مدخراتها في لحظة، مما أثر بشكل دراماتيكي على خطط زواجها.
هناك ضحايا آخرون فقدوا كل شيء. سيدة أخرى كشفت عن مأساة مؤلمة، حيث قامت ببيع مصوغاتها الذهبية لتجمع ألف دولار من أجل استثمارها في المنصة، لكن الأحلام الوردية تحطمت في لحظة، وفقدت كل شيء دون أن تحصل على أي عائد.
العملية الاحتيالية لم تكن عابرة، بل تمثل واحدة من أكبر عمليات النصب الرقمي في تاريخ البلاد. آلاف المواطنين استقطبوا من خلال وعود زائفة بأرباح تصل إلى 2% يومياً.
في البداية، استقبل عدد من المستثمرين عوائد مغرية، مما دفعهم إلى ضخ المزيد من الأموال، لكنهم فوجئوا بالمنصة تتوقف فجأة عن العمل في 25 سبتمبر 2024، تاركة خلفها خسائر مالية تقدر بين 50 و70 مليون دولار، وهذا ما أدى إلى تفاقم الأوضاع المالية والاجتماعية للكثيرين.
بعض الضحايا أدركوا في وقت مبكر أن الأمور تسير نحو الانهيار، لكنهم كانوا عاجزين عن تحذير الآخرين، فالمسؤولية تضاعفت، والندم والقلق يتصاعدان.
أحد المستثمرين علق قائلاً “بدأت بمبلغ بسيط، ورأيت أموالي تتضاعف، لكن عندما قررت استثمار المزيد، فقدت كل شيء في غمضة عين”.
المشاركة في مثل هذه المنصات كانت تُصنف كاستثمار، لكن العديد من الخبراء حذروا مراراً وتكراراً من خطورة هذا النوع من التداول، مشيرين إلى أن صوت العقل غُيّب بفعل الجشع. أحد الخبراء قال “أطلقنا تحذيرات متكررة، لكن الشغف بالثراء السريع كان هو المحرك الرئيسي”.
المنصة “2139” لم تكن الوحيدة في هذا السيناريو المظلم، فقد رافقتها منصات أخرى مثل “كونتي” و”AITR”، التي اعتمدت على أساليب مشابهة لاستغلال شغف الأفراد بالثراء السريع، حتى أنها طلبت من المستثمرين دعوة أصدقائهم وأقاربهم للانضمام، مما جعل الأمر يبدو كأنه مخطط تسويقي هرمي بحت.
رغم التحذيرات، استمرت حركة الاستثمار في هذه المنصات، وعانى الكثيرون من فقدان مدخراتهم. كثيرون حاولوا إنقاذ ما يمكن إنقاذه، ولكن الوقت كان قد فات.
ضحايا المنصة عبروا عن إحباطهم من عدم وجود تنظيم أو رقابة على مثل هذه الأنشطة التي دمرت الكثير من الأسر.
وعلى الرغم من أن التداول الرقمي يحتوي على منصات موثوقة عالمياً مثل “باينانس”، فإن الوضع في السودان يكشف عن ضعف كبير في الوعي المالي الذي يجعل الناس عرضة للاحتيال. لم تعد الكارثة مجرد خسارة مالية، بل تحولت إلى قضية مجتمعية تلقي بظلالها على مستقبل الكثيرين.
الأسئلة الآن تتوالى: كيف ستتعامل السلطات مع هذه الكارثة؟ هل ستقوم بإجراء تحقيقات وملاحقات قانونية لأصحاب هذه المنصات؟
وما هو دور المجتمع المدني في التوعية المالية؟ هناك قلق حقيقي من أن تكون هذه الحادثة مجرد بداية لموجة جديدة من الاحتيال الرقمي، حيث يظل الطمع هو المحرك الرئيسي لقرارات الأفراد.
وتأملات هذه الأزمة المالية تدفعنا للتفكير بعمق حول دور التعليم والتوعية المالية في حماية الأفراد والمجتمعات من الوقوع في فخاخ الاحتيال.
إن الفجوة في المعرفة والوعي قد تكون هي السبب الرئيسي وراء هذه الكارثة، وإذا لم يتم اتخاذ خطوات جادة لمعالجة هذه القضية، فقد يكون هناك المزيد من الضحايا الذين يلقون بأنفسهم في دوامة الخسارة والألم.