ليونيد سافين يكتب : كيف ستؤثر عودة ترمب المحتملة إلى البيت الأبيض في دول العالم
الكاتب السياسي الروسي والمحلل الجيوسياسي ليونيد سافين ، رئيس تحرير موقع جيوبولوتيكا ومدير مؤسسة المراقبة والتنبؤ، يعمل أيضاً محاضراً في الجامعة الروسية لصداقة الشعوب. كتب حول تأثير إمكانية عودة ترامب إلى البيت الأبيض على دول العالم.
نشرت وحدة استخبارات الإكونوميست بمركز الأبحاث البريطاني (Economist Intelligence Unit) تقريرًا مثيرًا للاهتمام بعنوان “مؤشر مخاطر ترمب.. التأثير العالمي للرئيس الأمريكي الجديد”. من العنوان يمكنك أن تفهم أن البريطانيين يحاولون التنبؤ بكيفية تأثير عودة دونالد ترمب إلى رئاسة الولايات المتحدة على الوضع في البلدان الأخرى. بادئ ذي بدء، نحن نتحدث عن التأثير السلبي.
بطبيعة الحال، سوف تكون الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر (تشرين الثاني) حدثًا رئيسًا للاقتصاد العالمي، والجغرافيا السياسية. وكما كتب مؤلفو التقرير: “إننا نتوقع سباقًا متقاربًا جدًّا بين المرشحين الديمقراطيين والجمهوريين”.
سوف يبدأ المرشح الجمهوري المفترض دونالد ترمب، إذا عاد إلى منصبه، تغييرات سياسية شاملة في مجالات تتراوح من السياسة التجارية إلى الأمن القومي. إن التداعيات العالمية لهذه التغييرات تعني أن العواقب المترتبة على رئاسة ترمب تستحق الدراسة الكاملة.
لقد طوّرنا مؤشرًا لتقييم تأثير رئاسة ترمب في كل دولة على حدة. يستخدم مؤشر ترمب للمخاطر (TRI) مقاييس كمية لتقييم مدى ضعف أكبر 70 شريكًا تجاريًّا للولايات المتحدة. ويستند تقييمنا الشامل للمخاطر إلى تقييم نقاط الضعف في ثلاثة مجالات (التجارة والهجرة والأمن)، حيث نتوقع تغييرات مهمة في السياسة في عهد السيد ترمب.
- ارتفاع الرسوم الجمركية والقيود التجارية (تصل إلى نسبة 40 %): نعتقد أن ترمب، مع بعض الإعفاءات والتعويضات، سوف يتابع نيته المعلنة بفرض تعريفة شاملة على الواردات، واقتراح سعر فائدة ثابت قدره 10 %، مع أننا نعتقد أنها ستُخفَض في النهاية. ومن المرجح أن يُتخَذ مزيد من الإجراءات العقابية ضد الواردات ذات الحساسية السياسية، مثل الصلب.
- تقاسم الأعباء الأمنية (تصل إلى نسبة 40 %): ستصبح المساعدة العسكرية الأمريكية مشروطة أكثر، وسيسعى ترمب إلى إعادة التوازن إلى العلاقات الدفاعية الرئيسة. كما سيزيد الضغط على الحلفاء الدفاعيين لزيادة المساهمات المالية والمادية.
- تشديد الرقابة على الحدود والتدابير الأمنية (تصل إلى نسبة 20 %): نتوقع أن تزيد إدارة ترمب التمويل للجدار الحدودي وإستراتيجيات الاحتواء الأخرى. وسيكون هناك اهتمام متزايد لطرد المهاجرين، وبعض القيود الإضافية على الطرق القانونية لهجرة العمالة الدولية والتدريب.
كما يلاحظ، أُعطي وزن أكبر في مؤشر (TRI) لركائز التجارة والأمن، وأهمية أقل للهجرة، لتعكس الأهمية النسبية لهذه المؤشرات في تحديد التأثير الإجمالي لهذه التغييرات في اقتصاد الدولة. تُقيَّم معظم المؤشرات من الناحية النسبية، مثل مقارنتها بالناتج المحلي الإجمالي، أو عدد السكان في بلد ما، ولكن يتم اعتبار بعضها من حيث القيمة المطلقة.
وتشمل قائمة شركاء الولايات المتحدة الـ10 الأوائل: المكسيك (71.4 نقطة)، وكوستاريكا (59.1)، وألمانيا (52.9)، وجمهورية الدومينيكان (52.6)، وبنما (50.8)، والصين (50.4)، واليابان (49.2)، والسلفادور (48.1)، وفيتنام (47.1)، وهندوراس (45.8). كما ترون، فإن معظم البلدان في المراكز العشرة الأولى هي من أمريكا اللاتينية. إذا كان للمكسيك حدود مباشرة مع الولايات المتحدة، وكانت صادراتها ووارداتها مرتبطة ارتباطًا كبيرًا بجارتها الشمالية، فضلًا عن قضايا الهجرة، فإن بقية بلدان أمريكا الوسطى ومنطقة البحر الكاريبي معرضة للخطر بسبب التدابير التقييدية المحتملة. وتواجه الصين وفيتنام وألمانيا خطر التغير في أنماط التجارة الثنائية. ومع ذلك، فإن هذا يحدث بالفعل مع الصين، حيث إن إدارة بايدن، مثل الجمهوريين، تتخذ موقفًا صارمًا ضد بكين، وتطبق باستمرار إجراءات تقييدية جديدة.
والمهم هو أن أوكرانيا ليست على القائمة، وكأنها لا تعتمد على الولايات المتحدة، على الأقل من الناحية الأمنية. بالإضافة إلى ذلك، فإن أوكرانيا غير موجودة على الخريطة التي قدمتها وحدة استخبارات الإكونوميست، على الرغم من وجود دول أوروبية وآسيوية أصغر حجمًا. وفي الوقت نفسه، تُذكَر أوكرانيا في سياق التأثير الطفيف المحتمل في روسيا.
وتشمل قائمة الدول الأقل تأثرًا بإعادة انتخاب ترمب ما يلي: السعودية (9.4)، وأستراليا (9.7)، وبولندا (10)، والمغرب (10)، واليونان (13.1)، وعمان (13،1)، وفنلندا (17.1)، وروسيا (18.1)، وهولندا (19.9)، وكرواتيا (20.5).
وبحسب القطاع، فإن الدول العشر الأولى في تطبيق التعريفات الحمائية هي المكسيك، والصين، وكندا، وفيتنام، وألمانيا، واليابان، وتايوان، والهند، وأيرلندا، وكوريا الجنوبية.
وفي المجال الأمني، إذا اتُّبعَت سياسة أكثر انعزالية خلال ولاية ترمب الثانية، فإن الدول التالية معرضة للخطر: كوستاريكا، وبنما، وألمانيا، وبلغاريا، واليابان، والبحرين، وأيرلندا، ومالطا، وغواتيمالا، وإستونيا. كما نرى، حتى في هذا الجزء لا توجد أوكرانيا. ويشير التقرير إلى أن حلفاء الناتو في أوروبا الشرقية والوسطى، مثل بلغاريا، وإستونيا، ولاتفيا، حصلوا على تصنيفات عالية؛ لأن القلق يكمن في ضعفهم المحتمل إذا تصاعدت العلاقات بين الناتو وروسيا إلى صراع مفتوح. أما ألمانيا، التي تستضيف عددًا كبيرًا من القوات الأمريكية، وتنفق جزءًا كبيرًا من ناتجها المحلي الإجمالي على الدفاع، فتحتل المرتبة الثالثة. وفي الوقت نفسه، مع أن اليابان تتمتع ببعض الخصائص المماثلة، فإنها تعد أقل عرضة للخطر إلى حد ما بسبب ارتفاع الإنفاق على الأسلحة الأمريكية. كما أن كثيرًا من دول أمريكا اللاتينية، ومنها كوستاريكا وبنما، التي تتلقى مساعدات عسكرية أمريكية، ولكنّ لديها إنفاقًا دفاعيًّا ضئيلًا أو معدومًا، تتصدر التصنيف أيضًا.
ومن بين الحلفاء الرئيسين في حلف شمال الأطلسي (أو الدول المماثلة)، تعد أستراليا، وفنلندا، واليونان، وبولندا، الأقل عرضة للخطر، ويغذيها إنفاقها الدفاعي المرتفع، ومشترياتها من الأسلحة من الولايات المتحدة. تعد عمان والمملكة العربية السعودية شريكين دفاعيين مهمين للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، لكن قدرتهما محدودة على إجراء تغييرات في ظل إدارة ترمب بسبب إنفاقهما العسكري المكثف. كما تعاني دول مثل الهند وسنغافورة نقاط ضعف منخفضة- إلى حد ما- على الرغم من علاقات التعاون العسكري الوثيقة مع الولايات المتحدة، حيث تعتمد اعتمادًا كبيرًا على مواردها الدفاعية.
بالإضافة إلى السرد المتعلق بالعواقب المحتملة، تقدم وحدة استخبارات الإكونوميست أيضًا تدابير للحد من المخاطر، وتنص على أنه “يمكن للحكومات والشركات تطوير إستراتيجيات لتقليل المخاطر المرتبطة بالتغييرات السياسية التي من المحتمل أن تحدث في عهد ترمب. ومن المرجح أن تنظر إدارة ترمب المحتملة إلى التزام ألمانيا واليابان الأخير بزيادة الإنفاق الدفاعي باعتباره إيجابيًّا”، ويمكن اتخاذ خطوات استباقية للحد من المخاطر التجارية. إن ضمان الضوابط الكافية لمنع إعادة تصدير البضائع الصينية إلى الولايات المتحدة لتجنب التعريفات الجمركية من شأنه أن يساعد على صرف أحد الخطوط المحتملة للانتقادات الأمريكية، حيث إن مشتريات الحكومة من المنتجات الزراعية ومنتجات الطاقة الأمريكية يمكن أن تخفف المخاوف بشأن اختلال التوازن التجاري، وقد تفكر الشركات المصدرة للسلع ذات الحساسية السياسية، مثل الصلب إلى الولايات المتحدة، في تنويع السوق للتحوط من مخاطر التعريفات الجمركية المرتفعة.
يمكن أن يكون تطوير العلاقات الوثيقة بين القادة عاملًا مؤثرًا أيضًا. أظهرت فترة ولاية ترمب الأولى أن عملية صنع القرار لديه يمكن أن تتأثر بالتفاعلات مع القادة الآخرين. وقد تمكن رئيس الوزراء الياباني آنذاك شينزو آبي من تأمين تنازلات تجارية لبلاده بفضل مغازلة ترمب الحذرة.
ومن المحتمل أيضًا أن ينظر بعض القادة إلى ترمب باعتباره حليفًا أيديولوجيًّا يمكنهم التفاوض معه بشأن الأعمال، وربما تأمين فوائد لبلدانهم. ومن المرجح أن يبرز رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، أو الرئيس الأرجنتيني خافيير مايلي، باعتبارهما “ترمبيين”، حيث من المرجح أن يكون معظم قادة الأحزاب السياسية الآخرين بعيدين أيديولوجيًّا بعضهم عن بعض. إن عودة السيد ترمب تشكل خطرًا على بعض الدول، ولكن ليس على جميعها.
ومع وجود درجة عالية من الاحتمال، فإن بريطانيا نفسها سوف تبدأ بالتصرف على نحو استباقي من أجل الحصول على فوائدها الخاصة لتجنب العواقب المستقبلية على عدد من البلدان. ومع أن حزب العمال يتودد بالفعل إلى ترمب، ويأمل مساعدته على استعادة مكانته في بريطانيا، فإن تجربة لندن على مدى القرون الماضية تظهر أنها لن تفوت فرصة الصيد في المياه العكرة.
أخيرًا، فيما يتعلق بروسيا، فإنها قد تستفيد من استمرار الانفصال عن الصين، وتدهور علاقات الولايات المتحدة مع فيتنام والهند، فضلًا عن الدول الأخرى التي تركز على التعاون مع مجموعة بريكس بلس، ومنظمة شنغهاي للتعاون، مع أن نقر البيت الأبيض على أنف عدد من دول الاتحاد الأوروبي سيكون مفيدًا؛ حتى تشعر بخطورة تبعيتها، وتفكر فيما إذا كان من الأفضل اتباع الاستقلال الإستراتيجي وقراراتها السيادية، بدلًا من الاعتماد على أهواء النخب السياسية الأمريكية، التي كانت متناقضة وغير مستقرة تمامًا.