تتعالى أصوات الاستغاثة والشكوى من أرجاء محافظة المنيا في مصر، حيث يعيش الآلاف من أهالي القرى في معاناة مستمرة بسبب التلوث البيئي الناتج عن تراكم القمامة وحرقها على أطراف القرى، وانتشار مياه الصرف الصحي في شوارعها.
وهذه المشكلات لم تعد مجرد حالة عابرة بل تحولت إلى أزمة متفاقمة تهدد صحة وسلامة السكان، في وقت تغيب فيه الجهات المسؤولة عن تقديم حلول حقيقية أو استجابة لاستغاثات الأهالي.
في قرية الحوارتة، التابعة لمركز المنيا، يعاني السكان من انتشار القمامة بشكل غير مسبوق في الترعة الرئيسية التي تمر بالقرية.
وتلك الترعة، التي كانت فيما مضى شريان حياة يغذي الأراضي الزراعية بالمياه، تحولت اليوم إلى مستنقع مفتوح يعج بالقمامة والمخلفات التي تُلقى يوميًا بيد بعض الأفراد من دون أي رادع أو رقابة.
وهذه القمامة تتراكم بشكل خاص أسفل الجسور الرئيسية، ما يجعلها عرضة لتكاثر الحشرات السامة مثل العقارب، ويجلب معها الروائح الكريهة والأمراض المعدية.
ويتحدث أحد سكان القرية بمرارة عن هذه المأساة اليومية: “الناس هنا ترمي القمامة في الترعة وما فيش حد بيشيلها. بتيجي وتتحشر تحت الكوبري والريحة بقت لا تطاق والأطفال بتيجي لهم أمراض.
مش بنعرف نعيش، والحشرات بقت تدخل البيوت والعقارب بتطلع علينا”. ما يزيد الأمر سوءًا أن هذه الترعة لا تخدم فقط قرية الحوارتة، بل تمر بعدد آخر من القرى، ما يعني أن الأزمة ليست مقتصرة على قرية بعينها، بل هي مشكلة تتفاقم مع مرور الوقت وتهدد الصحة العامة في المنطقة بأكملها.
الأهالي يؤكدون أن الأمر ليس مجرد إزعاج بيئي، بل هو خطر صحي حقيقي. والأطفال وكبار السن، الأكثر عرضة لتلك الأمراض، يعانون من إصابات مستمرة بالعدوى نتيجة الجراثيم والميكروبات التي تفرزها القمامة المتراكمة في المياه.
وانتشار العقارب والحشرات السامة أصبح أمرًا روتينيًا، وتزايدت الحوادث التي تشمل لدغات العقارب السامة، ما يزيد من الضغط على الخدمات الصحية في المنطقة التي تعاني أساسًا من نقص الإمكانيات.
وفي سياق متصل، يشكو أهالي قرية دير أبو حنس من مشكلات إضافية تكمل تلك المأساة. في هذه القرية، أصبحت الشوارع تغرق بشكل شبه دائم بمياه الصرف الصحي المتدفقة دون توقف.
وما يفاقم الوضع هو أن القمامة المتراكمة لا تُزال إلا عن طريق الحرق، وهو أسلوب بدائي للتخلص من المخلفات، يؤدي إلى انتشار الدخان السام الذي يحمل معه أمراضًا وأوبئة تهدد الحياة اليومية للسكان.
على الرغم من أن الأهالي قد تقدموا بالعديد من الشكاوى إلى الجهات المحلية والمحافظة إلا أن ردود الفعل تظل غائبة، وكأن حياة السكان لا تهم.
لم تقتصر المشكلة على القرى، حيث امتد التلوث إلى قلب مدينة المنيا، حيث يعاني سكان المناطق الراقية نفسها مثل حي شمال المدينة وشارع عدنان المالكي. وهنا، تسيطر القمامة على المشهد الحضري بشكل صارخ.
ويُعتبر هذا الحي من الأحياء الراقية في المحافظة، إلا أن أكوام القمامة المتراكمة وسط الشوارع، خصوصًا بجوار شركة مياه الشرب والصرف الصحي، أصبحت جزءًا لا يتجزأ من يوميات السكان.
والروائح الكريهة الناتجة عن تحلل هذه المخلفات تنتشر في كل مكان، وتغزو المنازل، مما يتسبب في تفاقم الوضع الصحي ويجعل الحياة شبه مستحيلة في المنطقة.
أحد العاملين في شركة المياه، الذي فضل عدم ذكر اسمه، أوضح أن المنطقة الخلفية للشركة قد تم تخصيصها من قبل الوحدة المحلية لتجميع القمامة قبل رفعها في نهاية اليوم.
إلا أن هذا الحل المؤقت لم يفلح في كبح جماح المشكلة، بل تسبب في خلق بؤرة جديدة لتكاثر الحشرات والروائح الضارة، ما دفع السكان للتعبير عن سخطهم وغضبهم من تجاهل السلطات المحلية لهذه الكارثة الصحية.
لم يكن الوضع أفضل في مركز سمالوط، حيث تعرضت المدينة لأزمة كبيرة بسبب انفجار خط مياه الشرب في حي غرب المدينة، مما تسبب في غرق الشوارع بالمياه.
وعلى الرغم من تدخل السلطات المحلية بسرعة لإصلاح الخط المتضرر وشفط المياه المتراكمة، إلا أن الحادث كشف عن هشاشة البنية التحتية للمياه في المدينة.
في حين أُعيدت الأمور إلى نصابها، تبقى هذه الحادثة تذكيرًا صارخًا بالأخطار المحتملة التي يمكن أن تحدث في أي لحظة نتيجة إهمال الصيانة الدورية والتخطيط السيئ.
وفي مركز ملوي، تظهر معاناة جديدة تتعلق بمخلفات عمليات تطهير الترع. في قرية التابوت التابعة لمجلس قروي نواي، اشتكى المواطنون من انتشار المخلفات الناتجة عن عمليات التطهير التي تجري في ترعة الديروطية.
وهذه المخلفات تركت دون إزالة، مما تسبب في خلق مشهد غير حضاري وتجمعات جديدة للقمامة في المياه. بالنسبة لسكان هذه المنطقة، فإن هذه المخلفات لا تقل خطورة عن القمامة الأخرى، فهي تعيق حركة المياه وتؤدي إلى انتشار البكتيريا والجراثيم.
أما في قرية الشيخ زياد التابعة لمركز مغاغة، فإن الوضع يتجاوز القمامة إلى ظاهرة جديدة من التلوث البيئي الخطير.
وهنا، لا تقتصر المشكلة على تراكم القمامة، بل تشمل أيضًا ظاهرة حرقها في العراء. هذا الحل البدائي للتخلص من القمامة يتسبب في انتشار سحب كثيفة من الدخان السام الذي يملأ الهواء ويغزو رئات السكان دون رحمة.
وهذا الدخان يحمل معه مواد كيميائية ضارة تتسبب في تفاقم حالات الأمراض التنفسية مثل الربو والتهاب الشعب الهوائية، وتزيد من خطر الإصابة بأمراض خطيرة أخرى.
الحال نفسه ينطبق على مدينة مغاغة، حيث تتحول المناطق المحيطة بالوحدة المحلية إلى مكب غير رسمي للقمامة.
وعلى الرغم من الوعود المتكررة من الجهات المسؤولة بتنظيف المنطقة وإزالة المخلفات، إلا أن تلك الوعود لا تزال حبرًا على ورق.
والأهالي هناك يعيشون في حالة من اليأس والإحباط، وهم يشاهدون بيئتهم تتدهور يومًا بعد يوم، دون أي بوادر لحل حقيقي في الأفق.
يبدو أن ما يحدث في المنيا هو جزء من أزمة أوسع تتعلق بتدهور البيئة في المناطق الريفية والحضرية على حد سواء.
والإهمال الذي يواجهه الأهالي من قبل الجهات المسؤولة لا يمكن تبريره بأي حال من الأحوال، خصوصًا عندما يكون الخطر الحقيقي هو صحة وسلامة المواطنين.
والقمامة التي تملأ الشوارع، والمخلفات التي تغرق الترع، والدخان الذي يملأ الهواء، كل هذه الأمور ليست مجرد مشكلات جمالية، بل هي قنابل موقوتة تهدد بتحويل حياة السكان إلى جحيم.
الوقت قد حان للتحرك الجدي من قبل السلطات المحلية والمحافظة. والأزمات البيئية ليست شيئًا يمكن تأجيله أو تجاهله، خاصة عندما يتعلق الأمر بصحة الناس وحياتهم اليومية.