ذاكرة التاريخ

الكارثة الاستراتيجية: كيف أسقطت حرب أكتوبر 73 إسرائيل في فخ المفاجأة

في عمق تاريخ الشرق الأوسط، تكمن واحدة من أكثر الحروب تأثيراً، حرب أكتوبر 1973، والتي كشفت عن أبعاد غامضة وتحركات سرية لم تُروَ حتى الآن.

فبفضل وثائق بريطانية حديثة، أصبح من الواضح أن السوفييت كانوا وراء النصيحة الاستراتيجية التي أدت إلى الهجوم المصري المفاجئ على الجيش الإسرائيلي.

اختيار يوم السادس من أكتوبر، الذي يتزامن مع يوم كيبور، لم يكن صدفة بل جزءاً من خطة دقيقة للتضليل والدهشة. في تلك اللحظة التاريخية، شلت إسرائيل التي كانت تُعتبر قادرة على رد أي اعتداء، مما أحدث تحولاً عميقاً في مجرى الأحداث.

كانت تفاصيل الهجوم مدروسة بعناية، حيث اعتبرت توصيات الخبراء السوفييت في ذلك الوقت حاسمة. الدعم السوفييتي لمصر وسوريا كان أكبر مما تم تقديره سابقاً، سواء قبل الحرب أو خلالها.

لقد ساهم هذا الدعم في تهيئة الظروف المناسبة لتطبيق خطط خداع متقنة وضمان تحقيق عنصر المفاجأة المطلوب.

دراسة شاملة أجراها حلف الناتو بعد الحرب كشفت النقاب عن العديد من الدروس المهمة التي يمكن استخلاصها.

ركزت الدراسة على الاستعدادات العسكرية واللوجستية التي اتخذها الطرفان، مشيرة إلى أن السوفييت كانوا يعرفون أكثر مما كان يُعتقد عن الخطط المصرية، مما سمح لهم بتقديم دعم عسكري متكامل.

أحد العناصر الرئيسية التي أظهرتها الدراسة كان قدرة السوفييت على توجيه مستشاريهم العسكريين المصريين بشكل استراتيجي، مما أدى إلى تحسين خططهم الهجومية.

النتائج كانت مروعة بالنسبة للإسرائيليين الذين فوجئوا بالهجوم الذي حدث في وقت كانت فيه الأجواء تسودها حالة من السكون والتأمل، وفقًا للعادات اليهودية في ذلك اليوم المقدس. هذه المفاجأة كانت تكتيكًا متقنًا ساهم في تحقيق نجاحات عسكرية لم تكن متوقعة.

تطرق تحليل الناتو إلى دور الأقمار الصناعية السوفييتية، والتي كانت تقوم بمراقبة الأنشطة العسكرية الإسرائيلية قبل الهجوم.

هذه الأقمار كانت تعطي العرب معلومات حيوية عن تحركات القوات الإسرائيلية، مما زاد من قدرة القيادة المصرية على اتخاذ قرارات سريعة وفعالة.

مع بداية الهجوم، كان الأداء الإسرائيلي في الأيام الأولى مُخيّبًا للآمال. لم تتمكن القوات الإسرائيلية من استعادة المبادرة إلا بعد تسعة أيام من بدء العمليات، وهذا كان نتيجة مباشرة لنجاح المصريين في تأمين المفاجأة وتحقيق الأهداف الأولية.

تكشف الوثائق أيضاً أن الولايات المتحدة، على الرغم من دعمها لإسرائيل، لم تتمكن من تغيير مجريات الحرب في الأيام الأولى، وهذا يعكس عجز الاستجابة الإسرائيلية.

بعد الحرب، بدأت الولايات المتحدة جسراً جوياً غير مسبوق لنقل الأسلحة إلى إسرائيل، ولكن تأخيرات النقل بسبب المسافات الجغرافية كانت تعني أن هذا الدعم لم يكن له تأثير فوري.

في المقابل، كانت شحنات السلاح السوفييتي تصل إلى العرب بصورة أسرع، حيث استطاعت السفن السوفييتية الوصول إلى الموانئ السورية والمصرية خلال الأيام الأولى من الصراع.

ورغم كل ذلك، فإن الدعم الأمريكي كان ذا أهمية كبيرة في استعادة إسرائيل لجزء من قوتها العسكرية. فقد أرسلت واشنطن كميات ضخمة من العتاد العسكري خلال الفترة من 16 أكتوبر وما بعدها، مما سمح للقوات الإسرائيلية بفتح ثغرة في الخطوط المصرية.

لكن المعلومات الاستخباراتية التي قدمها السوفييت كانت قد زودت العرب بمعرفة تفصيلية عن مواقع القوات الإسرائيلية، مما ساعدهم على اتخاذ خطوات دقيقة.

لا يمكن إغفال أن الدروس المستفادة من الحرب كانت واضحة ومباشرة. كان هناك تقصير استخباراتي إسرائيلي في تقدير القوة العسكرية العربية، مما أتاح الفرصة لتحقيق المفاجأة.

وعلاوة على ذلك، فقد أظهر التعاون الضعيف بين القوات العربية كيف أن التنسيق العسكري بين الدول العربية كان دون المستوى المطلوب، وهو ما أدى إلى إضعاف المجهود الحربي بشكل عام.

التحليلات تشير إلى أن فترة ما بعد الحرب كانت مرحلة معقدة من التحولات السياسية. بينما تجهز السادات لزيارة القدس في عام 1977، كانت تلك الزيارة بمثابة نقطة تحول، حيث فتحت الأبواب لمفاوضات التسوية بين العرب وإسرائيل. لكن التاريخ كان قد سجل بالفعل كيف أسهمت حرب أكتوبر في تغيير ميزان القوى في المنطقة.

إن الأحداث التي شهدتها تلك الفترة تظل تجسيدًا حقيقيًا لكيفية تغيير الاستراتيجيات العسكرية والمفاجآت الميدانية في قلب النزاعات.

فبينما كانت إسرائيل تُعتبر قوة عظمى، جاء دور السوفييت في مساعدة العرب ليعيد رسم خريطة الصراع في المنطقة، مما أدى إلى تداعيات عميقة لا تزال تتردد أصداؤها حتى يومنا هذا.

إذاً، هل كانت حرب أكتوبر هي بداية النهاية للهيمنة الإسرائيلية في الشرق الأوسط؟ أم أنها كانت مجرد نقطة تحول في مسار طويل من الصراع والتسويات؟ الأجوبة على هذه الأسئلة تتطلب دراسة أعمق للحقائق التاريخية والنتائج السياسية التي تلت هذه الحرب.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى