الدكتور عبدالله الأشعل يكتب: تفكيك أسطورة الصهيونية والتمييز بين اليهودية
نشر السفير الدكتور عبدالله الأشعل، الكاتب والدبلوماسي المصري، مقالاً مثيراً في بوابة “رأي اليوم” الإلكترونية بعنوان “لماذا نرحب بالشريعة اليهودية ونجرم الصهيونية”، حيث يسلط الضوء على تطور التمييز بين اليهودية والصهيونية في العقل العربي.
يستعرض الأشعل كيف تربت الأجيال العربية على كراهية إسرائيل، وكيف تداخلت المفاهيم بين اليهودية التي يحملها المسلمون والصهيونية التي تمثل العنصرية.
بعد قرار الجمعية العامة عام 1975 الذي ربط الصهيونية بالعنصرية، يُبرز المقال أن الخلط بين اليهودية والصهيونية لا يزال قائمًا، مما يستدعي توضيحاً حاسماً.
كما يُشير الأشعل إلى ضرورة تجريم الصهيونية بوصفها حركة تهدف لسرقة الأرض العربية، ويدعو الدول العربية والإسلامية إلى اتخاذ موقف واضح ضد هذه الظاهرة. “أخبار الغد” يعيد نشر المقال لأهميته البالغة في فهم الصراع العربي الإسرائيلي وإليكم نص المقال كاملاً.
تقتصرفي هذه المقالة علي تطور التمييز بين اليهودية والصهيونية في العقل العربي.
تربت الاجيال العربية في الخمسينات والستينات من القرن الماضي وبالذات عام 1967 علي كراهية إسرائيل وكل ما يتعلق بها، وكان الرأي العام العربي ملتبساً بين اليهودية التي تسترت بها إسرائيل وبين الصهيونية وهي الوجه الصحيح لإسرائيل، وبسبب هذا اللبس حرص الساسة والإعلام علي التمييز بين اليهودية التي يؤمن بها المسلم وبين الصهيونية البغيضة، ولكن هذا التمييز لم يكن قاطعاً، حتي صدر قرار الجمعية العامة عام 1975 الذي سوى بين الصهيونية والعنصرية، وظل هذا الوضع يقوم علي اساس متابعة سلوك الصهاينة مع العرب، حتى أصدر أحد علمائهم في علم الاجتماع كتابا صادماً عن التطهير العرقي في فلسطين، وشاع هذا الكتاب في الرأي العام العربي لأن الكتاب ترجم الي اللغة العربية سريعاً، وبلغ الخلط بين اليهودية والصهيونبية أن غلب الظن أنهما شيء واحد، وأن الدعوة علي اليهود علي المنابر وتحقيرهم بنظر الرأي العام العربي لا يجوز، فتدخلت السلطات لمنع الدعوة عليهم عندما اشتدت الخصومة بين السلطة والجماعات الإسلامية التي رأت أن اليهودية في القران الكريم محرفة، وأن التوراة الحقيقية أول رسالة نزلت علي رسول وهو موسى عليه السلام، وكانت كلمة اليهودي محملة بكل الصفات السيئة، وقد فسر البعض هذه الظاهرة بارتفاع وتيرة القومية العربية المناهضة للصهيونية، وكذلك اليهودية لان القومية العربية علمانية، (والمقاومة علمانية ايضا قبل ظهور المقاومة الاسلامية عام 1982 بنشاة حزب الله ثم ظهرت حماس 1987)
فلما هزمت إسرائيل مصر والأردن وسوريا في وقت واحد، 1967 فرح الإسلاميون لأن الهزيمة كانت لطمة للإتجاه القومي، وكان الصراع محتدماً بين التيارات الدينية والتيارات القومية،
وجدير بالذكر أن كبار الكتاب والمفكرين انخرطوا في جدل عقيم حول طبيعة الصراع مع إسرائيل، فذهب بعضهم الي أنه صراع عسكري، وبعضهم الاخر الي أنه صراع حضاري، وبعضهم الثالث وصف الصراع بأنه ديني، وكانت إسرائيل تسر بذلك، لان الحقيقة أبسط من ذلك بكثير، وهي أن الصهيونية السياسية استولت علي فلسطين، والمطلوب تحرير فلسطين منها، وقد صدرت بالفعل تشريعات في مصر وسوريا تجرم الصهيونية، وعاصر جيلي الدعاية القومية ضد إسرائيل كما صورها الشاعر هشام الجخ في قصيدته الرائعة اخر ما حرف في التوراة، وصورت إسرائيل علي انها ذئب له ذنب، يخيف أطفال العرب. وعندما تلاعبت واشنطن بالعالم العربي خاصة محنة العراق اولاً مع ايران وثانياً مع الكويت، وتمكنت واشنطن من انجاح المؤامرة خطب بوش الأب في سبتمبر 1991 في الجمعية العامة بعد ضرب الجيش العراقي وضيع الطريق الي القضية الفلسطينية يبشر بالعالم الجديد الذي ترعاه واشنطن بعد اختفاء الإتحاد السوفيتي، وهذا العالم الجديد تسوده الديموقراطية والعدل، وظنت فلسطين أنها سوف تستفيد من هذه الشعارات، ولكن كانت هناك خطة لجعل أوسلو محطة جديدة للمشروع الصهيوني بعد أن تمكنت واشنطن من إدخال المنطقة العربية في المعسكر الامريكي الإسرائيلي منذ عام 1979، ولذلك تنبهت واشنطن الي إلغاء قرار الجمعية العامة الذي يسوي بين الصهيونية والعنصرية عام 1991، وكان ذلك تمهيدا لأن يصدر الكونجرس قانونا يمتدح الصهيونية عام 2002، قبيل الغزو الامريكي للعراق، وصارت الصهيونية قيمة عليا ونتيجة أخلاقية للهلوكست، ولذلك حذر قانون الكونجرس بأن النيل منها جريمة اسمها معاداة السامية، ورخص للإدارةالامريكية بنقل السفارة الامريكية من تل ابيب إلي القدس بعد أن أكد قانون الكونجرس أن القدس هي العاصمة الأبدية الدائمة لإسرائيل، وحظر القانون علي جميع مؤسسات الدولة الامريكية مخالفة هذه التوجهات، حتي علي مستوى العالم.
ثم كانت ملحمة غزة كاشفة لامور كثيرة، اهمها:
- أن إسرائيل الصهيونية علمانية، وتتستر وراء اليهودية وتنسب تصرفاتها الصهيونية الاجرامية الي اليهودية، وزعمت إسرائيل أن التوراة المحرفة تحثها علي ابادة الفلسطينيين، وكذلك ملكية أرضهم، ووضح ذلك جليا يوم 17 يوليو 2024 في رد الفعل الإسرائيلي علي الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية، الذي أكدت ما تضمنه الرأي الاستشاري حول الجدار العازل عام 2004.من ان اسرائيل مجرد سلطة احتلال يجب انهاؤه.
- أن فلسطين كلها ملك لليهود وهذا يفسر استخدام الإبادة والفخر بها ضد الشعب الفلسطيني.
- أن قرار التقسيم وحل الدولتين كانت أساطير تخفي حقيقة الصهيونية ومؤامراتها علي العرب، كما يفسر أيضا إصرار إسرائيل علي القضاء علي الشعب الفلسطيني،
- والغريب أن واشنطن هي التي تخطط وتمد إسرائيل بالسلاح والذخيرة لتنفيذ جرائمها، ومع ذلك تطلق تصريحات بلهاء مثل المحافظة علي المدنيين ووقف إطلاق النار، وهي تخطط مع إسرائيل لإبادة المقاومة.