مبادرة بداية: هل يعيش المصريون 79 عامًا في ظل الفشل الصحي
بينما يتفاخر المسؤولون عن مبادرة بداية التي تهدف إلى إطالة عمر المصريين إلى 79 عامًا، يظل واقع الرعاية الصحية مأسويًا ومترديًا في البلاد.
والدستور المصري ينص على أن الدولة ملزمة بتخصيص نسبة 3% من الناتج القومي الإجمالي للصحة، لكن الأمور تسير في اتجاه آخر.
لم تتجاوز المخصصات الصحية في أحسن الأحوال 1.2%، مما يشير إلى تجاهل صارخ لحقوق المواطن في الحصول على الرعاية الصحية اللازمة.
في ظل هذا الواقع المؤلم، يتكبد المواطن المصري 72% من نفقات صحته من جيبه الخاص، وكأن نظام الرعاية الصحية الذي وُعد به منذ سنوات هو مجرد سراب.
خطة 2030 التي تسوقها الدولة على أنها طريق المستقبل، لم تترجم إلى خدمات صحية ملموسة، بل شهدت تراجعًا واضحًا في جودة الخدمات المقدمة. كيف يمكن للمواطن أن يثق في رؤية مستقبلية وهو يعاني من الافتقار إلى العلاج؟
لم يكن الأمر مجرد تراجع في الميزانيات، بل تلاعبات استثنائية من الدولة ببيع المنشآت الصحية الحكومية للقطاع الخاص.
وهذا القرار جاء في إطار سعي الدولة للحصول على الدولارات، مما أدى إلى تعميق الأزمة بدلاً من حلها. الناس لم يعد لديهم ثقة في الخدمات الحكومية، فالقطاع الخاص لم يكن له دور سوى زيادة العبء المالي على كاهل المواطن.
الأمراض المزمنة باتت تتفشى بشكل متزايد في مصر، فسرطان الثدي وأمراض القلب والفشل الكلوي تشكل خطراً داهماً. والأمر لم يقتصر على الأمراض المزمنة، بل أصبحت الأوبئة تهاجم البلاد بشكل دوري، آخرها جدري القرود الذي انتقل من إفريقيا ليضاف إلى قائمة الأوبئة التي تهدد المواطنين.
وفي وقت تتزايد فيه المخاوف، لا تزال الحكومة غارقة في صمتها، وبدلاً من التحرك الفوري، تكتفي بالتصريحات الرسمية التي لا تعكس واقع الحال.
وبالرغم من كل هذه المعطيات، تواصل أزمة الأدوية تفاقمها. السوق يعاني من نقص حاد في الأدوية، خاصة المستوردة منها، بما في ذلك أدوية السرطان والأورام والغدة الدرقية والسكري.
وهذه الأدوية تعتبر أساسية للعديد من المواطنين الذين يعانون من أمراض مزمنة. عدم توفرها يعكس فشلًا ذريعًا في إدارة المنظومة الصحية.
لا يمكننا أن نغفل أن هذه الأزمات تؤثر بشكل كبير على جودة الحياة للمواطن المصري. الأمل الذي تعلن عنه الحكومة لا يتجاوز كونه كلمات جوفاء في ظل الواقع المرير.
حتى مع وجود المبادرات المزعومة، يبقى السؤال الأهم: هل يمكن للشعب أن يثق في قدرته على الحياة حتى 79 عامًا بينما يعاني من نقص الخدمات الصحية الأساسية؟
التصريحات الرسمية، في كثير من الأحيان، تتجاهل حقيقة أن المواطن هو من يدفع ثمن الفشل. مع كل ارتفاع في الأسعار وفقدان الأدوية، يتم تحصيل ضريبة من صحة المواطن، مما يجعل الوصول إلى الرعاية الصحية أمراً بعيد المنال. فكيف يمكن لمبادرة بداية أن تنجح في ظل كل هذه العوائق؟
الوضع الحالي يتطلب تدخلًا فوريًا من الدولة لتحسين الظروف الصحية. التجاهل المستمر لأزمة الأدوية والأمراض المزمنة يعكس عدم الوعي بحجم الكارثة.
والمواطنين لا يحتاجون إلى وعود فارغة، بل إلى إجراءات ملموسة تضمن لهم حقوقهم الأساسية في الصحة والعلاج.
ما لم تتخذ الحكومة خطوات جدية لتحسين القطاع الصحي، سيظل المواطن المصري ضحية لقرارات غير مدروسة وسياسات فاشلة.
كلما تأخرت الإصلاحات، زادت الأعباء على المواطن، وبدأت علامات اليأس في الظهور. فالعمر لا يتوقف عند 79 عامًا، بل يمكن أن يختصر في لحظة، وقد يأتي يوم تتجاوز فيه الوفيات بسبب عدم توفر الأدوية والخدمات الصحية الأساسية.
هل نحن على مشارف كارثة صحية؟ المؤشرات تدل على ذلك، والمواطنون في حالة من الفزع والقلق. المبادرات الوردية لا تعني شيئًا في ظل غياب الدعم الحقيقي والفعال. يتساءل الجميع: متى ستتحرك الدولة بجدية لمواجهة هذا الواقع المرير؟
إن مخصصات الصحة يجب أن تكون أولوية، وليس مجرد أرقام تُذكر في الخطط الحكومية. على الحكومة أن تدرك أن صحة المواطن هي أساس المجتمع، وأن الاستثمار في الصحة هو استثمار في المستقبل.
لا يمكن لأي دولة أن تتقدم في ظل نظام صحي متهالك، والوقت قد حان للتغيير الحقيقي، وليس مجرد شعارات.
المواطن المصري يستحق أن يُعامل بكرامة وأن تتوفر له الرعاية الصحية المناسبة. إن فشل الحكومة في تحقيق ذلك يعني أن كل الأحلام والطموحات قد تصبح مجرد سراب، ويبقى الخطر محدقًا بحياة المواطنين.