تقارير

مياه النيل: صراع التاريخ والحقوق وعاصفة تشتعل بين إثيوبيا ومصر والسودان

في ظل تصاعد التوترات السياسية والمائية، برزت تصريحات وزير الخارجية الإثيوبي، تايي أتسكي سيلاسي، خلال الدورة التاسعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، التي أعلنت عن قرب دخول اتفاقية الإطار التعاوني لحوض نهر النيل، المعروفة بـ”اتفاقية عنتيبي”، حيز التنفيذ.

وهذه الاتفاقية التي قوبلت بانتقادات حادة من قبل مصر والسودان، تؤكد إثيوبيا عزمها على تطبيقها رغم رفض جارتين رئيسيتين، مما يسلط الضوء على توتر العلاقات بين الدول المعنية بمسألة مياه النيل.

سيلاسي ذكر أن الاتفاقية قد حصلت على العدد المطلوب من التصديقات، مشيرًا إلى أن بلاده ستعمل مع “الدول الشقيقة” التي تشارك في حوض النيل من أجل تحقيق مبادئ هذه الاتفاقية، مُبرزًا أهمية التعاون الإقليمي.

وفي سياق متصل، تم تحديد 13 أكتوبر المقبل موعدًا رسميًا لدخول الاتفاق حيز التنفيذ، وهو ما يعني بدء إنشاء مفوضية حوض نهر النيل التي ستضطلع بمسؤوليات إدارة هذا المورد الحيوي.

لكن على الجانب الآخر، تتصاعد حدة ردود الأفعال من قبل مصر والسودان، حيث أكد مصدر مسؤول في وزارة الري المصرية أن بلاده والسودان قد أعلنا سابقًا عن رفضهما القاطع للاتفاقية.

إذ يرى المسؤولون في البلدين أن الاتفاقية تُنقص من حقوقهما التاريخية في مياه النيل وتضعف مبدأ الاستخدامات الحالية. التحدي الأكبر يكمن في أن الاتفاقية تعزز اتخاذ القرارات بالأغلبية، مما قد يؤدي إلى انقسام بين الدول، بالإضافة إلى التخلي عن مبدأ الإخطار المسبق، وهو ما يعتبره المسؤولون انتهاكًا لمبادئ التعاون المائي.

يُعتبر إنشاء مفوضية حوض نهر النيل وفقًا لهذه الاتفاقية خطوة غير مرحب بها من قبل مصر والسودان، حيث يؤكد المصدر أن هذه المفوضية ستكون في حالة من عدم التوافق، مما يقلل من فعاليتها وقوتها في اتخاذ القرارات.

والمشكلة تتفاقم أيضًا بسبب عدم شمول جميع دول الحوض، ما يضعف مصداقية هذه القرارات ويجعلها عرضة للتحديات.

في السياق نفسه، أعرب وزير المياه والطاقة الإثيوبي، أسفاو دينغامو، عن اعتقاده بأن إنشاء المفوضية يُعتبر خطوة حيوية نحو تأسيس قاعدة مؤسسية مقبولة دوليًا، تضمن تنمية مستدامة وعادلة لمياه النيل.

يُذكر أن المفوضية ستتولى إدارة وتخصيص المياه بين الدول الأعضاء، وفقًا للمعايير القانونية المعترف بها دوليًا، وهو ما قد يشكل تهديدًا لحقوق الدول المعترضة على الاتفاقية.

وكما يشير الخبراء، فإن سريان الاتفاقية يتيح الفرصة لإنشاء مفوضية حوض النيل، لكنها ستتجاهل في عملية إدارتها الاتفاقيات التاريخية التي حددت حقوق الدول، مثل اتفاقيات 1902 و1929 و1959.

وهذه الاتفاقيات كانت قد حصرت حصص المياه وحقوق النقض لمصر والسودان، مما يزيد من حدة الصراع حول استخدام المياه.

الواقع السياسي يتحدث عن أزمات متزايدة. فالتوترات ليست فقط في مستوى الحكومات، بل تمتد إلى الأوساط الشعبية التي تعبر عن مخاوفها من تداعيات هذا الصراع على الأمن الغذائي والموارد المائية.

ويظل السؤال المطروح: إلى أي مدى ستستمر إثيوبيا في دفع اتفاقية عنتيبي قدمًا، رغم الرفض الواضح من مصر والسودان؟

على الصعيد الدولي، يبدو أن هذه الأزمة تتطلب توازنًا دقيقًا، حيث يُنظر إلى نهر النيل كأحد أكبر مصادر المياه في إفريقيا.

وتصاعد التوترات حوله يُنذر بمخاطر جسيمة قد تؤثر على الاستقرار الإقليمي. من الواضح أن التحركات الدبلوماسية ستكون ضرورية للتوصل إلى حلول تحقق مصالح جميع الأطراف.

وتبقى أزمة مياه النيل واحدة من أكثر القضايا تعقيدًا في المنطقة، تتطلب حوارًا صادقًا وتعاونًا فعّالًا بين الدول الثلاث.

فهل ستتمكن هذه الدول من تجاوز خلافاتها وتحقيق اتفاقيات عادلة تُنصف الجميع، أم ستستمر دوامة الصراع حول هذا المورد الحيوي؟ المستقبل يحمل في طياته الإجابة، ولكن علامات الشدائد حاضرة، ومخاطرها تتزايد.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى