الأقصر مدينة الشمس والأثر: درة الحضارة المصرية القديمة وعاصمة السياحة العالمية

تتألق محافظة الأقصر في جنوب مصر باعتبارها واحدة من أهم المناطق التاريخية في العالم، إذ تجمع بين سحر الحضارة الفرعونية وعظمة المعابد التي لازالت تحافظ على جمالها منذ آلاف السنين. تُعد الأقصر متحفًا مفتوحًا يضم معالم أثرية فريدة تجذب الملايين من الزوار سنويًا لاكتشاف تراثها الخالد.
التعريف بالموقع والتقسيم الإداري
تتموضع محافظة الأقصر جنوب مصر، في قلب إقليم جنوب الصعيد، وتمتد على مساحة تقدر بـ 2959.6 كم² بين خطي عرض 36-25 شمالاً، و33-32 شرقاً.
تبتعد عن القاهرة حوالي 670 كم، وعن أسوان نحو 220 كم. يحيط بالأقصر من الشمال محافظة قنا، ومن الجنوب أسوان، ومن الشرق البحر الأحمر، ومن الغرب الوادي الجديد.
تتوزع الأقصر إلى عدة مراكز ومدن أهمها: مدينة الأقصر، مركز البياضية، مركز القرنة، مركز أرمنت، مركز الطود، ومركز إسنا، إضافة إلى مدينتي طيبة الجديدة والأقصر الجديدة.
الأقصر: تاريخ وتسمية
استلهمت الأقصر اسمها الحديث من القصور العديدة (المعابد) المنتشرة في أرجائها، وهو الاسم الذي أطلقه عليها العرب بعد الفتح الإسلامي. عرفت المدينة في العصور القديمة بأسماء أخرى مثل “واست” و”مدينة الشمس” و”مدينة الصولجان”.
شكلت الأقصر مركزاً دينياً وسياسياً قوياً خلال الحضارة الفرعونية، إذ كانت عاصمة لمصر في عدة حقب زمنية. سميت عاصمة للسياحة العالمية في عام 2016، واختيرت أيضاً عاصمة للثقافة العربية في عام 2017.
المعالم الأثرية والتاريخية في الأقصر
تعتبر الأقصر مخزناً للحضارة المصرية القديمة، وتضم أكثر من 800 منطقة ومزار أثري، حيث تعدد فيها المعابد والمقابر التي تشهد على عظمة الحضارة المصرية القديمة.
أبرز هذه المعالم: معبد الأقصر، معابد الكرنك، مقابر وادي الملوك والملكات، المعابد الجنائزية، ومتحف الأقصر الذي يضم قطعاً نادرة من التاريخ المصري.
معبد الأقصر
شهد معبد الأقصر تشييداً هائلاً لعبادة الإله “آمون رع” في العصور الفرعونية. أسسه الفرعون أمنحتب الثالث واستكمله رمسيس الثاني، ويعد رمزاً لاحتفال “زفاف الإله آمون” السنوي الذي كان يتم خلاله نقل تمثال الإله من معبد الكرنك إلى معبد الأقصر عبر نهر النيل.
يبدأ المعبد بصرح عظيم شيده رمسيس الثاني، ويحتوي على تمثالين كبيرين للملك، إضافة إلى مسلتين، واحدة منهما تزين الآن ساحة الكونكورد في باريس.
يعتبر المعبد أحد أهم الوجهات السياحية في الأقصر، ويحتوي على مسجد “أبو الحجاج” الذي أُضيف لاحقاً على بعض أجزائه.
معبد الكرنك: أعظم دور العبادة في التاريخ
يقع معبد الكرنك على الضفة الشرقية للأقصر، ويعتبر من أعظم المعابد الفرعونية. بُني لإله الشمس آمون وزوجته الإلهة “موت” وابنهما الإله “خنسو”. يعد المعبد أكبر مجمع ديني في التاريخ المصري ويحتوي على معابد متعددة أشهرها معبد آمون.
يبدأ المعبد بطريق الكباش الذي يرمز للقوة والخصوبة، ويصل الزوار إلى فناء واسع مروراً بصالة الأعمدة الشهيرة التي تتألف من 134 عموداً ضخماً. كما يشمل المعبد بحيرة مقدسة كانت تستخدم في طقوس التطهير.
أهمية الأقصر في السياحة الثقافية
تعتبر الأقصر مركزاً للسياحة الثقافية، حيث تستقطب النسبة الأكبر من الزوار الذين يأتون لاستكشاف آثار الحضارة المصرية القديمة. تضم الأقصر العديد من المعابد والمقابر الملكية التي تتجلى فيها روعة الهندسة المعمارية والنقوش الفرعونية.
تعزز دور الأقصر كوجهة سياحية بترميم عدد من آثارها خلال السنوات الأخيرة، حيث افتتحت أجزاء جديدة من معبد الملكة حتشبسوت، وأعيد ترميم مقبرة حور محب، وهو ما أسهم في جذب السياح من مختلف أنحاء العالم.
مقابر وادي الملوك والملكات
اشتهرت الأقصر بمقابر وادي الملوك ووادي الملكات، حيث دفنت أشهر ملوك وملكات مصر القديمة. من أشهر هذه المقابر مقبرة الملك “توت عنخ آمون”، التي اكتشفت عام 1922 وما زالت تعد واحدة من أعظم الاكتشافات الأثرية في العالم.
يعكس الوادي عظمة العمارة الجنائزية في مصر القديمة، حيث نُقشت على جدرانه أساطير الدفن والعالم الآخر.
المدن القديمة في الأقصر: أرمنت وإسنا
تقع إلى الجنوب من الأقصر مدينة أرمنت التي عُرفت قديماً باسم “بير مونت”، وكانت مركزاً لعبادة الإله “منتو” إله الحرب. توجد بها آثار عظيمة تعود للعصر البطلمي.
إلى جانب أرمنت، تأتي مدينة إسنا التي كانت تعرف قديماً باسم “لاتوبوليس”، وقد حظيت بأهمية كبيرة خلال العصور القديمة بفضل موقعها الاستراتيجي ومعابدها التي ما زالت قائمة.
الأقصر: وجهة للسياحة الحديثة
بالإضافة إلى التاريخ والآثار، تلعب الأقصر دوراً مهماً في السياحة الحديثة. تمتاز المدينة بجوها المعتدل على مدار العام، مما جعلها وجهة سياحية مفضلة للعديد من الزوار وخاصة في فصل الشتاء.
تحتوي الأقصر على فنادق ومنتجعات فاخرة تقدم للزوار تجربة ممتعة للاستمتاع بتاريخ المدينة الغني وثقافتها العريقة.
تجمع الأقصر بين عبق التاريخ وأصالة الحضارة، إذ تحتضن في طياتها أعظم ما تركه قدماء المصريين من معابد وتماثيل وأعمدة شاهقة.
باتت المدينة وجهة عالمية للسياحة الثقافية بفضل ما تمتلكه من كنوز أثرية، وساهمت بشكل كبير في الحفاظ على تاريخ مصر القديم وجذب ملايين السياح سنوياً.
تمثل الأقصر وجهة لا مثيل لها لعشاق التاريخ والثقافة، حيث تمتزج الحضارات العريقة مع الطابع العصري للمدينة.
ببنيتها الفريدة وآثارها العريقة، تظل الأقصر رمزًا من رموز الحضارة المصرية القديمة، شاهدة على عبقرية الفراعنة ومستقبلة لزوارها بتراث إنساني عظيم يجمع بين الماضي والحاضر.
