أزمة الأسمنت: قرار كارثي يُعزز الاحتكار ويُهدد السوق المصري
أعلن أحمد شيرين كريِّم، رئيس شعبة الأسمنت بغرفة صناعة مواد البناء باتحاد الصناعات، أن جهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية قد وافق على تمديد قرار يسمح لمصانع الأسمنت بخفض إنتاجها الموجه للسوق المحلية لعام إضافي. وهذا القرار، الذي يُفترض أن يكون لمواجهة تخمة العرض، أثار عاصفة من الانتقادات والقلق بشأن مستقبله.
هذا القرار الذي تم تطبيقه قبل ثلاث سنوات، ويجري الآن تجديده، يرفع تساؤلات كبيرة حول قدرة السوق على التحمل واستدامة صناعة الأسمنت في مصر.
ووفقًا لكريِّم، فإن هذا التمديد سيستمر حتى نهاية سبتمبر 2025، مما يعني أن المصانع ستستمر في تقليص إنتاجها بينما يرتفع الطلب في الأسواق المجاورة. وبذلك، يبرز تساؤل جدي حول مغزى اتخاذ مثل هذا القرار في وقت يواجه فيه السوق المحلي أزمة حادة.
في حديثه بمؤتمر عُقد مؤخرًا بالقاهرة، أشار كريِّم إلى أن صناعة الأسمنت في مصر تعاني من فائض يكاد يعادل احتياجات السوق، مع حجم إنتاج يصل إلى نحو 80 مليون طن سنويًا.
ومع أن قدرة المصانع على الإنتاج تصل إلى 92 مليون طن، إلا أن الاستهلاك المحلي قد شهد تراجعًا ملحوظًا،
حيث انخفض من 56 مليون طن إلى 47 مليون طن في عام 2023. هذا الانخفاض يعود، حسب المسؤولين، إلى وقف تراخيص البناء، بينما تم تصدير حوالي 13 مليون طن.
المشهد يتعقد أكثر مع ارتفاع أسعار الأسمنت في الأسواق. فقد حذر أحمد الزيني، رئيس شعبة مواد البناء باتحاد الغرف التجارية، من أن تمديد خفض الإنتاج سيؤدي بالضرورة إلى زيادة الأسعار، مشيرًا إلى أن شركات الأسمنت قد قامت برفع الأسعار بنسبة 30% منذ بداية يوليو.
وإن التوقعات بزيادة جديدة في الأسعار تجعل الأمور أكثر خطورة، مما يستدعي تدخل الحكومة لوقف هذه التداعيات.
ولم يكن الشهر الماضي خاليًا من الأزمات، حيث رفعت شركات الأسمنت سعر الطن بحوالي 50 جنيها، مما أدى إلى ارتفاع الأسعار إلى مستويات غير مسبوقة.
حاليًا، يتراوح متوسط سعر الطن تسليم أرض المصنع بين 2500 و2555 جنيها، ليصل للمستهلك عند 3 آلاف جنيه، وهي أرقام قياسية تستدعي القلق والتحذير.
زيادة الأسعار هذه جاءت متزامنة مع ارتفاع أسعار الوقود، الأمر الذي ضاعف من أزمة القطاع، وجعل المستهلكين في حالة من الذعر.
ففي الفترة ما بين يوليو وأغسطس، شهدت أسعار الأسمنت زيادات مستمرة، حيث تراوحت الأسعار للمستهلك بين 2500 و2600 جنيه، الأمر الذي يسلط الضوء على غياب الرقابة الفعّالة من قبل الجهات المعنية.
إن هذه الأرقام، والتوقعات باستمرار الزيادة في الأسعار، تكشف بوضوح عن الفجوة الكبيرة بين العرض والطلب، وتُظهر أيضًا كيف أن القرار الأخير قد يساهم في تكريس احتكار السوق بشكل أكبر.
والأكثر إثارة للقلق هو أن المستهلكين، الذين يعانون من ضغوط اقتصادية متزايدة، سيجدون أنفسهم مضطرين لدفع المزيد من الأموال للحصول على مواد البناء الأساسية.
وهذا الوضع المعقد، تُطرح أسئلة حرجة حول دور الحكومة في حماية المستهلكين وضمان توازن السوق. ما لم تتدخل الجهات المختصة بشكل عاجل لإعادة تقييم هذا القرار والتعامل مع تأثيراته، فإن صناعة الأسمنت قد تواجه تداعيات كارثية تهدد ليس فقط الاقتصاد المحلي، بل أيضًا استقرار السوق بشكل عام.
إن ما يجري اليوم في قطاع الأسمنت ليس مجرد أزمة عابرة، بل هو أزمة هيكلية قد تؤثر على الأجيال القادمة، مما يستدعي التفكير العميق والتحرك السريع لإيجاد حلول فعالة.
هل ستستجيب الحكومة للنداءات الملحة؟ أم سيظل الوضع كما هو، مع استمرار الاحتكار وزيادة الأسعار التي تضع الأعباء على كاهل المستهلكين؟