أسس المنتصرون في الحرب العالمية الأولى عصبة الأمم عام 1920 كأول منظمة دولية تهدف إلى تحقيق الأمن الجماعي. سعت العصبة إلى دعم السلام وتعزيز التعاون بين الدول من خلال تحسين الدبلوماسية المتعددة الأطراف وتطوير القانون الدولي. كما حاولت التصدي لقضايا الصحة والعمل واللاجئين ونزع السلاح. ومع ذلك، فشلت في منع اندلاع الحرب العالمية الثانية، وأصبحت وسيلة لتبرير الاستعمار الغربي تحت غطاء نظام الانتداب.
بعد الخراب الواسع وسفك الدماء الذي خلفته الحرب العالمية الثانية، سعى المنتصرون إلى استمرارية تجربة التعاون الدولي من خلال تأسيس منظمة الأمم المتحدة بشكلها الحديث، بهدف تعزيز السلام والأمن العالميين، ودعم التعاون بين الدول، بالإضافة إلى تعزيز حقوق الإنسان والتنمية وتقديم المساعدات الإنسانية. تُعتبر الأمم المتحدة اليوم أكبر منظمة دولية، حيث تضم في عضويتها 193 دولة. تعمل المنظمة على تشجيع التعاون الدولي في قضايا مثل تغير المناخ، مكافحة الفقر والجوع، تحسين الصحة والتعليم، وحماية حقوق الإنسان. كما تضم الأمم المتحدة فروعاً متعددة، مثل محكمة العدل الدولية والمجلس الاقتصادي والاجتماعي، إلى جانب وكالات متخصصة، مثل منظمة الصحة العالمية (WHO) لرعاية الصحة، واليونيسف (UNICEF) لرعاية الأطفال، ووكالات تُعنى بالغذاء واللاجئين.
تقوم الأمم المتحدة بالعديد من الأنشطة، بما في ذلك حفظ السلام، وتقديم المساعدات الإنسانية، وتعزيز حقوق الإنسان، ودعم جهود التنمية، وحل النزاعات. وعلى الرغم من نجاحها في منع نشوب الحروب العالمية، إلا أنها فشلت في منع الحروب الثنائية والغزوات، مثل الحرب الكورية، والغزو السوفيتي لأفغانستان، والحرب الإيرانية العراقية، بالإضافة إلى الأزمات المستمرة في الشرق الأوسط والحرب في أوكرانيا. واجهت المنظمة انتقادات متعددة تتعلق بضعف فعاليتها نتيجة البيروقراطية المفرطة. وقد انعقدت الجمعية العامة الثامنة والسبعون الأسبوع الماضي بمشاركة دولية واسعة، إلا أن نتائجها كانت محدودة.
دعا كل من أمير قطر سمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني والرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى أهمية تحقيق الأهداف الأصلية للأمم المتحدة وإرساء السلام العادل في الشرق الأوسط، وخاصة في غزة. وأكد الزعيمان على ضرورة وجود نظام دولي شرعي يسوده حكم القانون، وطالبا بإصلاح مؤسسات الأمم المتحدة لكي تتمكن من أداء مسؤولياتها في تحقيق السلام والعدالة المستدامة. كما انتقد أردوغان الهيمنة غير العادلة لخمس دول (الولايات المتحدة، روسيا، الصين، فرنسا، والمملكة المتحدة) التي تتمتع بحق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
لفترة طويلة، تجاهلت إسرائيل قرارات الأمم المتحدة (مثل القرار 1322 و1435 و2334) التي تدعو إلى احترام القانون الدولي في حماية المدنيين ووقف بناء المستوطنات. وقد استخدمت حكومة الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) ضد العديد من مشاريع القرارات في مجلس الأمن مسبقًا. وحتى في حال تم تمرير هذه القرارات من قبل الجمعية العامة، فإن إسرائيل لا تلتزم بتنفيذها. ومن المثير للجدل أن رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو قد أُعطي الفرصة للحديث أمام الجمعية العامة لتبرير مجازره في غزة، متحديًا بذلك الأمم المتحدة نفسها. بطريقة ما، تعلن إسرائيل أنها لا تعترف بالأمم المتحدة، لكن هذه الأخيرة لا تتبنى نفس الموقف. بل، سمحت الأمم المتحدة لإسرائيل بتحديها وانتقاد المجتمع الدولي.
يا لها من مؤسسة ديمقراطية أصبحت عليها الأمم المتحدة!
الأمم المتحدة، التي يُفترض بها أن تقدم حلولًا للأزمات في الشرق الأوسط مثل سوريا واليمن، لم تتمكن من تحقيق ذلك. هذه المرة، استخدمت روسيا والصين حق النقض ضد القرارات المتعلقة بالصراع السوري والأوضاع الإنسانية هناك. ورغم أن الأمم المتحدة وافقت أخيرًا على عملية جنيف كحل سياسي للصراع في سوريا، إلا أن التقدم كان بطيئًا، والتنفيذ ضعيف. كما لعبت الأمم المتحدة دورًا بنّاءً إلى حد ما في ليبيا من خلال تجميد الصراع، إلا أن تحقيق السلام الدائم والاستقرار السياسي لا يزال بعيدًا.
اليوم، تقترب أزمة غزة من عامها، والأمم المتحدة تفشل في وقف العدوان الإسرائيلي قانونيًا، بالإضافة إلى عجزها عن تقديم المساعدات الإنسانية للفلسطينيين. إن الداعمين لإسرائيل هم في الواقع مشرفون عليها أيضًا. وعلى عكس أزمة سوريا، فإن القوى العظمى لا تتعارض في مواقفها بشأن غزة، مما أدى إلى نتائج قريبة من الصفر. إن الحل لا يكمن في حل الأمم المتحدة، بل في إصلاحها بشكل عادل، ودمقرطتها لتشمل مزيدًا من الدول من أفريقيا وآسيا والدول الإسلامية، وإلغاء نظام الفيتو الذي يخدم عدداً قليلاً من الدول القوية بشكل غير عادل.