أزمة الكهرباء والغاز: هل تسير مصر نحو الانهيار
في خضم أزمة حقيقية تعصف بقطاع الطاقة في مصر، خرج وزير الكهرباء ليعلن عن إجراءات حوكمة صارمة لمحاربة الفساد والتلاعب في استهلاك الكهرباء. ولكن هل يكفي ذلك لتفادي الكارثة المقتربة؟ أم أن الوضع أسوأ مما يُعلن عنه؟
حرب على السرقات
تطرق الوزير إلى جهود وزارته لمواجهة ظاهرة سرقات التيار الكهربائي، حيث أعلن بفخر عن تحصيل 1.2 مليار جنيه من المخالفين خلال فترة قصيرة لا تتجاوز 45 يوماً.
وهذا المبلغ الضخم يسلط الضوء على حجم المشكلة، إذ أن سرقات الكهرباء أصبحت تشكل عبئاً ثقيلاً على شبكة الطاقة، تتجاوز آثارها المالية لتصل إلى تهديد استقرار التيار الكهربائي.
بالرغم من هذه المحاولات، يبقى السؤال: هل تُعتبر هذه الجهود كافية لمعالجة المشكلة من جذورها، أم أنها مجرد مسكنات لتفادي الانهيار؟
وتسعى الوزارة إلى تركيب المزيد من العدادات الكودية مسبقة الدفع في مختلف المنشآت، كوسيلة للحد من الفاقد التجاري.
لكن ذلك يبقى في إطار الخطط المؤجلة في ظل عدم وجود رؤية استراتيجية شاملة لمواجهة التحديات الكبرى التي يواجهها القطاع.
صفقات الغاز المشبوهة
على الجانب الآخر، تواجه الحكومة تحدياً أكبر، وهو أزمة الغاز. رغم حاجة البلاد الماسة لموارد الغاز، صادق مجلس الوزراء على تصدير جزء من الإنتاج الجديد، مما يثير العديد من التساؤلات حول الأولويات الوطنية.
كيف يمكن تصدير الغاز بينما تعاني البلاد من نقص حاد في الإمدادات؟ الأمر يبدو كحيلة لتسديد الديون المستحقة للشركاء الأجانب، والتي وصلت إلى نحو 4.5 مليارات دولار، وتم سداد ربعها فقط.
الحكومة تجري حالياً مفاوضات مع جهات تمويل دولية لتوفير نحو ملياري دولار، لكن هذه الأموال ليست كافية لمعالجة الأزمات المتزايدة.
بالإضافة إلى ذلك، قامت مصر بزيادة شحنات الغاز من إسرائيل، بنسبة 50%، وهي خطوة قد تكون مجبرة عليها في ظل شح الموارد المحلية. يبدو أن الحكومة لم تجد خياراً آخر سوى الاعتماد على جيرانها لتأمين احتياجاتها الأساسية، مما يجعل البلاد تبدو في موقف ضعف.
الاحتياج المستمر
الأرقام تتحدث عن نفسها، فالشحنات من الغاز الإسرائيلي ستصل إلى 1.6 مليار قدم مكعبة يومياً بحلول نهاية 2025. وفي خضم هذه التحولات، أعلنت الحكومة عن زيادة شحنات الغاز بواقع 18% في سبتمبر، لتصل إلى 20% في أكتوبر، لتغطي الفجوة المتزايدة.
وهذه القرارات تعكس حالة من اليأس، إذ تحاول الحكومة جاهدة مواجهة العجز المتزايد في الغاز المستخرج محلياً، بينما تبقى عيونها مشدودة نحو مصادر خارجية.
المعضلة الحقيقية تكمن في عدم قدرة الحكومة على توفير احتياجات البلاد الأساسية دون الاعتماد على مصادر خارجية. هذه السياسة تعكس عدم استقرار النظام الكهربائي في مصر، الذي يبدو أنه يوشك على الانهيار.
إذا استمر الوضع على ما هو عليه، فمن الممكن أن نشهد تفاقماً في الأزمات، حيث لا تزال المشاكل تتزايد دون حلول جذرية.
الأفق المسدود
يتساءل الكثيرون عن مصير البلاد في ظل هذه الأزمات المتلاحقة. فبينما تتحدث الحكومة عن إجراءات وخطط لمواجهة المشكلات، يظل المواطنون يعانون من انقطاع الكهرباء والغاز.
هذه الوضعية تجعل من الصعب تصديق الوعود التي تتبناها الحكومة. الأمر الذي يعكس عدم القدرة على تحقيق التنمية المستدامة التي تحتاجها مصر.
ويبقى مستقبل الطاقة في مصر معلقاً بين أيدي قرارات حكومية تبدو عاجزة أمام التحديات المتزايدة. بينما يسعى الوزير إلى ضبط الأمور وإعادة الثقة في النظام، فإن الوضع على الأرض يشي بعكس ذلك.
نحن أمام أزمة تتجاوز مجرد نقص في الموارد، بل هي أزمة إدارة ورؤية استشرافية تُجبر المواطن على تحمل تبعات القرارات الفاشلة.
بلا شك، سيبقى المواطن المصري في انتظار الأفعال، لا الأقوال، لعل الأفق المنغلق ينفتح أمام مستقبل أفضل، لكن إلى متى سيبقى الانتظار؟