صراع الشرق الأوسط: بين زعزعة الاستقرار وفوضى مفتوحة
في قلب أزمة تشتعل منذ زمن، تبرز المفاوضات المتعثرة بين “إسرائيل” وحماس، التي رعتها إدارة بايدن، كعلامة على الفشل الذريع.
لقد تم وصف هذه المفاوضات مراراً بأنها على حافة الانهيار، لكنها بدت وكأنها تفتقر إلى أي بصيص من الأمل.
صحيفة “نيويورك تايمز” تشير إلى أن هذه المفاوضات لم تكن سوى محاولة يائسة لتجنب تفاقم الوضع، إلا أن الواقع يشير إلى أن الحلول ما زالت بعيدة المنال.
تدور الأحداث في الوقت الذي يهدد فيه الوضع المتفجر في لبنان بانفجار جديد، وخاصة بعد مقتل حسن نصر الله، قائد حزب الله الذي أدار دفة الأمور لأكثر من ثلاثة عقود.
والاغتيال، الذي يُعتبر ضربة موجعة لإيران “الداعم الرئيسي لحزب الله” يترك فراغاً يُنذر بعواقب وخيمة على المنطقة بأسرها. الكارثة ليست فقط في خسارة قائد، بل تكمن أيضاً في اهتزاز استقرار الجمهورية الإسلامية، مما يزيد من حدة التوترات في المنطقة.
تحدث ريتشارد هاس، الرئيس الفخري لمجلس العلاقات الخارجية، عن “قوى طاردة” تتزايد في الشرق الأوسط، حيث أصبحت القوى المركزية أضعف مما كانت عليه.
ويعكس الوضع الحالي حالة من التفتت والفوضى، مما يجعل من الصعب للغاية إعادة الأمور إلى نصابها. فمصر، التي كانت دائماً فاعلاً رئيسياً، تواجه تحديات داخلية وخارجية، بينما السعودية وإيران في صراع دائم.
يتجلى العمق الاستراتيجي لهذا الوضع في كلمة جيل كيبييل، الخبير الفرنسي في الشأن الشرق أوسطي، الذي أشار إلى أن حزب الله كان يمثل ذراع إيران في المنطقة، واغتياله يعكس ضعفاً كبيراً للجمهورية الإسلامية.
والآن، يتساءل الجميع: من يستطيع إعطاء الأوامر لحزب الله في ظل هذا الفراغ القيادي؟ ومع انعدام الإجابات، يبدو أن المنطقة تتجه نحو مزيد من عدم الاستقرار.
على الرغم من أن الولايات المتحدة كانت في السابق القوة القادرة على توجيه دفة الأمور في الشرق الأوسط، فإنها اليوم تواجه صعوبة في التأثير على الأطراف المختلفة.
بينما استثمرت الولايات المتحدة جهودها في إبرام اتفاقيات تاريخية مثل كامب ديفيد مع مصر، تبدو الأمور مختلفة تماماً اليوم. إن “إسرائيل” وحماس، وكلاهما مصنف كمنظمات إرهابية في واشنطن، تبقى خارج نطاق الدبلوماسية الأمريكية الفعالة.
وفي ظل هذا المشهد المشتت، يحتفظ التحالف الأمريكي مع “إسرائيل” بقوة مستمرة، حيث تُعتبر المساعدات العسكرية المقدمة لها بمثابة دلالة على الالتزام الثابت.
ولكن ماذا عن الأعداد المتزايدة للضحايا الفلسطينيين في غزة؟ حيث سجلت الأرقام الآلاف من القتلى، العديد منهم من المدنيين. بينما قد يظهر بايدن دعماً حذراً لـ “إسرائيل” من خلال توبيخ خفيف، إلا أن الأسلحة الأمريكية تتدفق بلا هوادة.
ومع ذلك، تبقى الحقيقة أن الولايات المتحدة، تحت أي إدارة مستقبلية، لن تتخلى عن “إسرائيل”، حتى مع تزايد الأصوات الداعية إلى مراجعة هذا الدعم.
وفي حين أن وجود الدولة اليهودية أصبح موضع تساؤل متزايد في الساحات الأكاديمية الأمريكية وفي شوارع أوروبا، إلا أن التاريخ الدموي الذي مر به اليهود خلال القرن الماضي لا يُسمح بتكراره.
إن الوضع المتفجر في غزة ولبنان، جنباً إلى جنب مع حالة عدم الاستقرار في إيران، يضع الشرق الأوسط على حافة الهاوية.
والاغتيالات، الحروب، والمفاوضات المتعثرة تترك الشعبين الفلسطيني واللبناني في حالة من الارتباك. في حين يمكن أن تكون هناك محاولة من قوى خارجية لتجنب الكارثة، إلا أن التحديات التي تواجهها هذه القوى تجعل من الصعب تصديق إمكانية تحقيق استقرار حقيقي.
يبدو أن العالم ينظر إلى هذه الأزمات بعين الترقب، لكن لا أحد يستطيع التنبؤ بما ستسفر عنه الأيام القادمة.
فمع تصاعد أعمال العنف وارتفاع حصيلة الضحايا، تبدو المنطقة وكأنها تتجه نحو فوضى مفتوحة قد تُعيد تشكيل خريطة الصراع في الشرق الأوسط. إن الشعوب في هذه الدول تعاني، في حين أن القادة يبدون بعيدين عن واقع المعاناة اليومية التي يواجهها المواطنون.
وتُعَد هذه الأزمة تجسيداً للفشل المتراكم في إدارة الصراعات المعقدة، حيث تظل المنطقة في حالة من التوتر المتزايد.
بينما تحاول القوى الكبرى تحقيق السلام، فإن الفوضى والانهيار لا يزالان حاضرين في الأفق. الأمر الذي يضع الجميع في مواجهة مباشرة مع واقع صعب قد يستمر لفترة طويلة، دون أمل في تغيير قريب.