تقارير

أزمة غذائية خانقة: انحدار مستمر يكشف العجز والفساد

تواصل مصر مواجهة أزمة غذائية خانقة في ظل تدهور حاد للأوضاع الاقتصادية العالمية، مع تراجع مؤشر فاو لأسعار الغذاء للشهر العاشر على التوالي، مسجلاً 131.2 نقطة في يناير الماضي، بعد أن كان 135.6 نقطة في الشهر نفسه من العام الماضي.

وهذه البيانات تشير إلى أسوأ سلسلة انخفاض منذ نحو ثلاثة عقود، وتعكس واقعاً مؤلماً يعيشه المصريون.

إن ما حدث في يناير الماضي يأتي بعد فترة قصيرة من اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، التي زادت من تفاقم أسعار الغذاء العالمية.

ورغم هذا التراجع في المؤشرات العالمية، نجد أن مؤشر التضخم في مصر قد وصل إلى 48.1%، مدفوعاً بارتفاع غير مسبوق في أسعار الحبوب والخبز بنسبة 65.3% واللحوم والدواجن التي ارتفعت بنسبة 59.7%.

وقد بلغ معدل التضخم العام في البلاد 26.5%، مما يثير تساؤلات حادة حول أسباب هذا الارتفاع المثير للقلق.

تحليل الأزمة: مزيج من العجز والفساد

ترى الدكتور محمد محمود، خبير الاقتصاد، أن أزمة التضخم في مصر ليست مجرد نتيجة للأزمات العالمية، بل هي نتاج لعجز طويل الأمد في ميزان المدفوعات.

حيث تتجاوز الواردات المصرية 90 مليار دولار، بينما لا تتجاوز الصادرات 45 مليار دولار.

وهذا التفاوت الجذري ينذر بكارثة اقتصادية قد تفوق التصورات، ويؤكد الحاجة الماسة لتأمين مصادر الدولار.

ويضيف محمود أن الخروج المفاجئ للأموال الساخنة من مصر بعد رفع الفيدرالي الأمريكي للفائدة كان له تأثير مدمر على قيمة الجنيه المصري، الذي تراجع بشكل حاد أمام الدولار.

كل هذه العوامل مجتمعة تشكلت لتقود البلاد إلى فوضى اقتصادية واضحة، حيث باتت السلع الأساسية في متناول قلة، بينما تكافح الأغلبية من أجل تأمين احتياجاتها اليومية.

وأشار دكتور منتصر الحسيني، أستاذ الاقتصاد، تذهب أبعد من ذلك، إلى أن الحكومة قد أضاعت فرصة هامة في مواجهة الأزمة، بسبب العوائق التي وضعتها أمام الاستيراد بين مارس ونوفمبر 2022.

وهذا الارتباك تسبب في رفع الأسعار بشكل مضاعف، حيث أصبح المستوردون يتعاملون بسعر مرتفع لمخزوناتهم بسبب عدم اليقين.

فرصة ضائعة في خضم الحرب

رغم كل ذلك، تجادل المهدي بأن هناك جانباً مضيئاً، إذ يمكن لمصر الاستفادة من ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي عالمياً.

حيث أعلنت الحكومة أن صادراتها البترولية في عام 2022 ارتفعت إلى 18.2 مليار دولار، مما ساهم في تحقيق فائض تجاري يتجاوز 3 مليارات دولار. لكن السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا لم ينعكس هذا الفائض على الأسعار المحلية؟

تقول أنتصار محمود إنه على الرغم من أن السياسات النقدية المتشددة في الدول الكبرى قد أثبتت فعاليتها، إلا أن مصر تواجه تحديات فريدة من نوعها.

والقوة المتزايدة للدولار الأمريكي قد جعلت الوضع أكثر تعقيداً، حيث إن تأثير هذه السياسات لم يصل إلى أسعار السلع بشكل ملحوظ.

مستقبل غامض: هل ستهبط الأسعار؟

السؤال الأهم يبقى: هل ستشهد الأسعار في مصر انخفاضاً قريباً؟ لميس تشير إلى أنه من غير الممكن حدوث ذلك ما لم يتم احتواء التضخم الناتج عن ارتفاع أسعار مدخلات الإنتاج. وبناءً عليه، فإننا قد نكون أمام عام آخر من المعاناة الاقتصادية دون أي بصيص أمل.

وفي ذات السياق، تذكر المهدي أن الانخفاضات العالمية في الأسعار لن تنعكس على السوق المصري، نظراً للتغير المستمر في سعر صرف الجنيه.

وهذا يعني أن التراجع الحقيقي لن يحدث إلا مع استقرار سعر صرف العملة المحلية وتحقيق توازن بين العرض والطلب على العملات الأجنبية.

خطوات للإصلاح: أمل في إنتاج محلي

تعمل الحكومة حالياً على دعم الإنتاج المحلي، مستهدفةً تقليص الاعتماد على الواردات.

وهذا يتطلب استثمارات جديدة في قطاعات متعددة مثل الغزل والنسيج، بالإضافة إلى تعزيز القدرات التصديرية في مجالات مثل الأسمدة والأسمنت والحديد.

ويُنظر إلى هذه الخطوات على أنها إيجابية، ولكنها تحتاج إلى وقت لتحقيق نتائج ملموسة، قد تمتد من ثلاث إلى أربع سنوات.

وتبقى الأزمة الغذائية في مصر نتاجاً لمزيج من العوامل الاقتصادية والسياسية المعقدة، مما يجعل الحلول مستعصية.

والوضع يحتاج إلى تدخلات حاسمة وإعادة هيكلة اقتصادية حقيقية، تعيد الأمل للمصريين الذين يواجهون تحديات يومية في سبيل تأمين لقمة العيش.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى