ميزان العدالة المعوج: تحولات كارثية في مصر
تعيش مصر في خضم أزمة متصاعدة، حيث يتجلى الفشل المروع للمنظومة القضائية في البلاد. ويبدو أن الإفراج عن المدانين بكفالات مالية قد أصبح ظاهرة تتكرر بشكل مقلق، مما يثير تساؤلات عميقة حول معايير العدالة والمساءلة.
الأيام الأخيرة شهدت سلسلة من الإفراجات عن متهمين في قضايا جنائية وأخرى مخلة بالشرف، في مشهد يكشف بوضوح عن الانحرافات في تطبيق القانون.
فقد أفرجت نيابة مصر القديمة الجزئية عن إسلام البحيري بكفالة قدرها 20 ألف جنيه، بعد أن استأنف حكم سجنه لمدة ثلاث سنوات بتهمة إصدار شيكات بدون رصيد.
وقصة البحيري ليست مجرد حادث عابر؛ فقد اتُهم في عام 2015 بازدراء الأديان وحُكم عليه بخمس سنوات، ثم خفف الحكم في العام التالي إلى عام واحد فقط. ليخرج بعدها ليواصل نفس النهج الذي أدى إلى سجنه، دون أن يعاني من أي عواقب حقيقية لأفعاله.
من جهة أخرى، تم الإفراج عن صلاح الدين التيجاني بكفالة 50 ألف جنيه، رغم اتهامه بالتحرش بعدد من الفتيات وحبسه لمدة أربعة أيام.
وبالرغم من خطورة الاتهامات، خرج التيجاني ليهدد المجتمع، محذراً الناس من ذكر اسمه بسوء، ومتوعّداً بملاحقة أي شخص يسيء إلى سمعته.
أما في حادثة لا تقل غرابة، فقد شهدنا اللاعب أحمد فتوح، الذي تعرض للقبض بعد أن دهس مواطناً على طريق القاهرة – الإسكندرية الصحراوي.
ورغم إثبات التحاليل تعاطيه المخدرات أثناء قيادته، تم إطلاق سراحه بعد أيام بكفالة قدرها 50 ألف جنيه، مما يثير تساؤلات حول قيمة الحياة البشرية مقابل المال في مصر.
تزامنت هذه الممارسات مع عودة يوسف بطرس غالي، وزير المالية في عهد مبارك، إلى مصر وتعيينه عضواً في المجلس التخصصي للتنمية الاقتصادية.
غالي الذي هرب إلى بريطانيا بعد سقوط مبارك في 2011، يعود في زمن تتداخل فيه المصالح السياسية والاقتصادية بشكل مثير للقلق، ما يشير إلى إعادة إنتاج نفس النظام الفاسد الذي كان قائماً.
يؤكد هذا الواقع المُفجع على تآكل مفهوم العدالة في مصر، ويطرح العديد من الأسئلة حول ما إذا كانت القوانين تطبق بالتساوي على الجميع، أم أنها مجرد أداة في يد الأقوياء والمتمكنين.
وهل أصبحت الكفالة وسيلة لتحصين المجرمين؟ وهل يُعتبر الفساد جزءاً من الثقافة القانونية الجديدة التي تعيشها البلاد؟
يعيش المواطن المصري في حالة من الإحباط واليأس، إذ يرى أن المتهمين الذين يُفترض أن يتم معاقبتهم على أفعالهم يُفرج عنهم بكل سهولة، مما يبعث برسالة مفادها أن العدالة ليست للجميع، بل هي امتياز لمن يملك المال والنفوذ. بينما يبقى الضحايا في الظل، بلا صوت ولا دعم.
يتطلب الوضع الحالي وقفة جادة من قبل المجتمع المدني والقضاء على حد سواء. فإهمال القضايا الخطيرة واستخدام الكفالة كوسيلة للهروب من العقاب يهدد سلامة المجتمع واستقراره.
ويجب أن تكون هناك إعادة نظر جذرية في كيفية إدارة النظام القضائي، بما يضمن تحقيق العدالة ويضع حداً لظاهرة الإفراج عن المدانين بشكل مفرط.
وتحتاج مصر إلى التغيير الجذري والتفكير العميق في ما يتعلق بالعدالة والمساءلة. إذا استمر هذا المسار، فإن مصر ستشهد تآكل ثقتها في نظامها القضائي،
مما سيؤدي إلى انعدام الأمان وغياب الطمأنينة لدى المواطنين. هذه هي اللحظة التي يجب أن يتدخل فيها الجميع، من أجل الحفاظ على ما تبقى من أسس العدالة ومبادئها.