تقارير

فساد التصاريح البحرية في البحر الأحمر: تجارة غير قانونية بالثروات السمكية

تُعتبر الثروات السمكية في البحر الأحمر من أغنى الثروات الطبيعية التي تميز مصر عن باقي دول المنطقة، إلا أن هناك واقعًا مؤلمًا ومريرًا يمس هذه الثروات جراء فساد التصاريح البحرية.

يشهد البحر الأحمر في الآونة الأخيرة تلاعباً فاضحاً في منح تراخيص الصيد، ما يؤدي إلى استنزاف الموارد البحرية وتهديد البيئة.

وفي هذا السياق موقع “أخبار الغد” يكشف الستار عن شبكة من الفساد الذي يمتد من المكاتب الحكومية وصولاً إلى قوارب الصيد، ويظهر كيف أن ممارسات غير قانونية تهدد مستقبل هذه الثروات.

حيث أشار خبراء ومواطنون في البحر الأحمر إلى ظاهرة مقلقة تتعلق بالفساد في منح تصاريح الصيد، مما يهدد الثروات السمكية ويعرض البيئة البحرية للخطر.

وتتجلى هذه القضية في التلاعب الذي يتعرض له نظام التصاريح، والذي يتسبب في استنزاف المخزون السمكي ويشعل النقاشات حول الأثر البيئي والاقتصادي لهذه الممارسات غير القانونية.

الفساد في التصاريح البحرية

أكدت دكتورة ناهد المصري، أستاذة جامعية في البيئة البحرية، أن “الفساد في منح التصاريح يعتبر من أكبر التحديات التي تواجه الثروة السمكية في مصر”.

وأضافت: “هناك تقارير كثيرة تشير إلى أن بعض الصيادين يحصلون على تصاريح بطريقة غير قانونية، مما يسمح لهم بالصيد في مناطق محظورة”.

شهادات من الصيادين

وفي حديثنا مع عدد من الصيادين، أوضح أحمد الشربيني، صياد من الغردقة، أن “الكثير من زملائنا يحصلون على تصاريح بدون أي رقابة، وفي كثير من الأحيان لا تُطبق القوانين بشكل صارم”. وأضاف: “هذا الأمر يخلق منافسة غير عادلة ويؤثر سلبًا على الصيادين الذين يتبعون القوانين”.

ردود فعل المواطنين

لم يكن هذا الأمر خفيًا عن سكان المناطق الساحلية. حيث أكدت فاطمة الجمل، من سكان الغردقة، أن “الصيادين الذين يحترمون القوانين يعانون من قلة الموارد بسبب الصيد غير القانوني”. وأضافت: “يجب أن تتدخل الحكومة لحماية الثروة السمكية”.

وكما أكد المواطن “حسن الجندي”، صياد من مدينة الغردقة، أن الوضع أصبح لا يُطاق. حيث قال: “أن تصاريح الصيد تُمنح لبعض الأشخاص دون غيرهم،

بينما يتم تجاهل الصيادين البسطاء الذين يعتمدون على البحر في رزقهم. هذا الأمر بدأ يخلق حالة من الغضب والاستياء في أوساط الصيادين”.

استنزاف الثروات السمكية

أوضح الدكتور حمدي صلاح، خبير في الثروات البحرية، أن “الاستنزاف المستمر للثروات السمكية نتيجة لهذه الممارسات غير القانونية يؤدي إلى تدهور النظام البيئي البحري”. وأكد أن “الصيد الجائر لا يؤثر فقط على المخزون السمكي، بل يتسبب أيضًا في تدمير المواطن البحرية”.

وفي حوار مع الخبير البيئي “فاطمة زكريا”، أشارت إلى أن فوضى التصاريح تؤدي بشكل مباشر إلى استنزاف الثروات السمكية.

وأوضحت: “التصاريح تُمنح لأناس غير مؤهلين ليمارسوا الصيد، ويستخدمون معدات غير قانونية تتسبب في تدمير الشعب المرجانية وتفريغ البحر من الأسماك”.

آراء الجمهور

أجمع العديد من المواطنين على ضرورة اتخاذ خطوات سريعة لمواجهة هذه الظاهرة. حيث أكدت السيدة نجلاء السعيد، ربة منزل، أن “الحفاظ على الثروات البحرية ليس مسؤولية الحكومة وحدها، بل هو واجب على كل مواطن”.

أحد صيادي الأسماك، “سامح حسني”، قال: “لقد لاحظنا انخفاضًا كبيرًا في كميات الأسماك. حينما كنت صغيرًا، كنت أخرج مع والدتي للصيد، وكانت وفرة الأسماك مذهلة. اليوم، أخرج ولا أجد شيئًا”. مما يعكس خطورة الوضع للمستقبل، حيث يُعتبر الصيد ليس مجرد مصدر دخل بل جزءاً من الثقافة المصرية التقليدية.

وبعد ذلك، التقينا بالسمسار “أحمد السقا” الذي أكد أن هناك “رشاوى تُدفع للحصول على التصاريح، مما يعقد الأمور أكثر”.

وأضاف: “بدلًا من توجيه الجهود نحو تنظيم هذه العمليات لحماية البيئة، يتم استغلالها من قبل من لديهم نفوذ”. هذه الشهادات تُبرز حجم الفساد الذي ينخر في تفاصيل التصاريح البحرية.

عند الإحاطة بالمشكلة بشكل شامل، أوضح الباحث “علي عبد الله” أن هذا الفساد لا يؤثر فقط على البيئة، بل يمتد ليشمل الاقتصاد المحلي.

وقال: “مع تزايد عمليات الصيد غير القانونية، تُفقد المجتمعات المحلية مصدر دخولهم، مما يؤدي إلى المزيد من الفقر وزيادة التوتر الاجتماعي”.

لكن الأمور لا تتوقف هنا، فقد أشار مجموعة من النشطاء البيئيين، ومن بينهم “مها مصطفى”، إلى أن هذا الوضع يستدعي تحركًا فوريًا.

حيث نوهت: “يجب على الحكومة أن تتخذ خطوات جدية لإيقاف هذا الفساد، فالجميع يُخسر من ورائه، وعلينا أن نحارب من أجل الحفاظ على ثرواتنا”.

تقارير رسمية

أفادت تقارير رسمية صادرة عن وزارة البيئة بأن “نسبة المخزون السمكي في البحر الأحمر قد انخفضت بنسبة 40% خلال السنوات الخمس الماضية”. وأشارت التقارير إلى أن “عدم وجود رقابة فعالة ساهم في تفشي هذه الظاهرة”.

دعوات للإصلاح

أكد العديد من المختصين على ضرورة إجراء إصلاحات فورية في نظام التصاريح. وأشار الدكتور محمد حسين، خبير بحري، إلى أنه “يجب أن تكون هناك آليات أكثر شفافية في منح التصاريح، بالإضافة إلى تشديد العقوبات على المخالفين”.

دور الحكومة

أوضحت نجلاء عمر، ناشطة في البيئة، أن “الحكومة تدرك تمامًا خطورة هذا الموضوع وتعمل على وضع استراتيجيات للحد من الفساد”. ولكنها اعترفت أيضًا بوجود تحديات في تنفيذ هذه السياسات.

مقترحات لتحسين الوضع

في هذا السياق، اقترح الدكتور حمدي صلاح إنشاء منصة إلكترونية لمراقبة تصاريح الصيد، مما يساعد على توفير الشفافية. كما دعا إلى تكثيف الحملات التوعوية حول أهمية الحفاظ على الثروات البحرية.

تجارب دولية

تجارب بعض الدول في مجال الحفاظ على الثروات البحرية يمكن أن تكون نموذجًا يحتذى به. فقد أشار الدكتور ياسر الزيات، خبير دولي في إدارة الموارد البحرية، إلى أن “دول مثل النرويج نجحت في تقليل الصيد الجائر من خلال تطبيق نظام صارم لمراقبة الصيد”.

تأثير الصيد غير القانوني

في إشارة إلى التأثيرات السلبية للصيد غير القانوني، ذكر السيد جمال العربي، ناشط بيئي، أن “هذا النوع من الصيد يساهم في تدمير الحياة البحرية ويؤدي إلى فقدان التنوع البيولوجي”. وأضاف: “إذا لم نتخذ خطوات عاجلة، فإننا نواجه مستقبلًا قاتمًا للبحر الأحمر”.

وقد أكد المواطنون والمختصون على ضرورة إجراء تحقيق شامل في قضايا الفساد المتعلقة بالتصاريح البحرية. حيث عبّر “سمير إبراهيم”، ناشط مجتمعي، قائلاً: “نريد العدالة والشفافية في منح التصاريح، فقد حان الوقت للتغيير والتكاتف من أجل إنقاذ البحر الأحمر”.

قضية فساد التصاريح البحرية في البحر الأحمر ليست مجرد مشكلة محلية

إن قضية فساد التصاريح البحرية في البحر الأحمر ليست مجرد مشكلة محلية تعاني منها فئة معينة، بل هي قضية تتعلق بالاستدامة والعقيدة الثقافية والاقتصادية للشعب المصري.

وإن مصير الثروات السمكية يجب ألا يُترك بيد الفساد، بل يجب أن ينال العناية اللازمة من قبل السلطات والمجتمعات.

في ظل هذه الظروف، يبقى التساؤل: هل ستتمكن الحكومة والمجتمع من التعاون للحد من فساد التصاريح البحرية وضمان استدامة الثروات السمكية في البحر الأحمر؟ إن الإجابة عن هذا السؤال تحتاج إلى إرادة قوية وإجراءات حاسمة، قبل فوات الأوان.

لذا، يبقى التساؤل: هل ستستفيق الجهات المعنية من غفلتها وتتخذ الخطوات اللازمة لحماية البحر الأحمر وثرواته؟ أم سيبقى الوضع على ما هو عليه، تُفقد فيه السلطة هيبتها أمام قوى الفساد المتغلغلة؟

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى