تقارير

أزمة سد النهضة: صراع وجودي في مياه النيل

بدأت وسائل الإعلام الإسرائيلية منذ عدة سنوات، في تسليط الضوء على قضية سد النهضة الإثيوبي، محذرة من أن استكمال هذا المشروع قد يضع مصر في مأزق وجودي، حيث يُعتبر الأمن المائي المصري مهددًا بشكل خطير. هذه التحذيرات لم تكن مجرد تنبؤات عابرة، بل تعبير عن توترات متزايدة قد تتصاعد إلى صراعات أكبر.

مع تطورات الأحداث الأخيرة، لا سيما بعد حرب غزة 2023، أظهرت التقارير الإسرائيلية تحولًا واضحًا في تحليل الإعلام العبري للموقف المصري، والذي بات يعبر عن قلق متزايد إزاء تأثيرات سد النهضة على الأمن المائي.

وتساؤلات عديدة أثارتها هذه التحليلات، حول الأهداف الحقيقية وراء هذا التوجه الإعلامي، حيث يبدو أن هناك محاولة لإدخال مصر في دوامة جديدة من الصراعات حول الموارد المائية.

قبل اندلاع حرب غزة، كان الإعلام الإسرائيلي يُروّج لفكرة “الربيع الإثيوبي” وتأثيراته على مصر. من خلال نشر مزاعم تُعزز من دور إسرائيل كقوة إقليمية،

ويتضح أن هناك توترات سياسية تُعزز الحاجة إلى دراسة الأبعاد الاستراتيجية لأزمة سد النهضة وتأثيرها على العلاقات الإقليمية.

في عام 2017، نشر مركز المعرفة الإسرائيلي تقريرًا حول آثار تغير المناخ في إسرائيل، متوقعًا أن تواجه مصر أزمات مناخية وديموغرافية نتيجة نقص مياه النيل.

وفي عام 2018، كتب إيلي ديكل، وهو ضابط مخابرات إسرائيلي سابق، تساؤلات حول إمكانية نشوب حرب ضد مصر بسبب سد النهضة، مؤكدًا أن نجاح هذا المشروع قد يُشجع دولًا أخرى على استغلال مياه النيل، مما يُهدد السيطرة المصرية التقليدية على هذه الموارد.

وفي عام 2019، بدأت وسائل الإعلام العبرية تروج لمزاعم تفيد بأن مصر قد تدخل في نزاع عسكري مع إثيوبيا بسبب سد النهضة، الذي يُعتبر بالنسبة لإثيوبيا “رمز الأمل”.

وبحسب تقارير إعلامية فإن شركة فرنسية تدعى GE Hydro France قد تعاقدت مع إثيوبيا لتسريع بناء السد، مما يُهدد بوجود خطر وجودي على مصر.

وفقًا لتقارير إعلامية، يبدو أن هناك نوعًا من الضغط الدبلوماسي المصري على إسرائيل للتأثير على الحكومة الإثيوبية فيما يتعلق ببناء وملء السد.

وفي هذا السياق، تعتبر المواجهة ليست فقط معركة على المياه، بل هي صراع رمزي، حيث ترى إثيوبيا في السد رمزًا للقوة والتطور، بينما تُعتبر النيل بالنسبة لمصر مصدر الحياة.

من ناحية أخرى، حذر الباحثون في المراكز البحثية الإسرائيلية من أن مصر قد تكون على أعتاب أزمة عسكرية جديدة.

وتساؤلات حول استعداد مصر للقتال من أجل مياه النيل تعود للظهور في الصحف الإسرائيلية، خاصة بعد الأحداث المتلاحقة في الصومال. وفي مقال للكاتب مارتن شيرمان، يُعتبر أن قضية المياه هي الوحيدة القادرة على إدخال مصر في نزاع مسلح.

صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية، تناولت الوضع بجرأة، مُشيرة إلى أن مصر تستعد للحرب، لكن ليس ضد إسرائيل، بل ضد إثيوبيا بسبب تهديدات سد النهضة. هذا السيناريو يبدو مثيرًا للقلق، خاصة وأن مصر قد عززت قدراتها العسكرية في مواجهة هذه الأزمة.

يتضح من مواقف الإعلام الإسرائيلي أن هناك انحيازًا واضحًا لصالح إثيوبيا، مما قد يؤدي إلى تصعيد العلاقات بين الدول.

وفي الوقت الذي تسعى فيه مصر إلى تأكيد حقوقها التاريخية، يبدو أن الخطاب الإعلامي الإسرائيلي يسعى لتعزيز حالة من عدم الاستقرار.

وفي حديث خاص لجريدة “بلدنا اليوم”، أشار السفير صلاح حليمة، مساعد وزير الخارجية الأسبق، إلى أن العلاقات بين إثيوبيا وإسرائيل تُعتبر معقدة.

ورغم عدم وجود دلائل قاطعة على التعاون المباشر بين تل أبيب وأديس أبابا فيما يتعلق بالسد، فإن هناك مؤشرات تدل على وجود دعم إسرائيلي ضمني لإثيوبيا.

دكتور سامح عباس، أستاذ الآداب بجامعة قناة السويس، اعتبر أن تل أبيب تستخدم إثيوبيا كورقة ضغط ضد مصر. وفي ظل الصراعات الحالية في غزة، قد تحاول إسرائيل دفع مصر إلى الاستسلام لمطالبها، مُتجاهلة الأزمات التي تُعاني منها مصر.

كما أشار عباس إلى أن للمخططات الإسرائيلية تاريخ طويل يتعلق بنهر النيل، حيث كان واضحًا منذ زمن طويل أن السيطرة على هذه الموارد تُعد من الأهداف الرئيسية للقيادة الصهيونية. وبالتالي، يُعتبر سد النهضة جزءًا من مخطط أكبر يسعى لتقويض الأمن المصري.

وبينما تسعى مصر لحماية حقوقها المائية، يبدو أن الإعلام العبري يلعب دورًا في تعزيز خطاب يهدف إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة. التحركات العسكرية والتصريحات المُثيرة من الجانبين تضع المنطقة على حافة صراع قد تكون عواقبه وخيمة.

إن الصراع حول مياه النيل ليس مجرد قضية فنية أو اقتصادية، بل هو صراع وجودي يمس الأمن القومي المصري، ويجعل من الأزمة التي تمس حياة الملايين من المواطنين مسألة شائكة.

وتظل هذه الأبعاد السياسية والأمنية بحاجة ماسة إلى استجابة دبلوماسية فعالة من قبل الحكومة المصرية، قبل أن تتطور الأمور إلى ما لا تُحمد عقباه.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى