شبكة الفساد في قطاع السياحة بمحافظة قنا: أين تذهب الإيرادات؟
في السنوات الأخيرة، أصبحت السياحة من أهم مصادر الدخل في مصر، وخاصة في محافظة قنا التي تتمتع بموقع استراتيجي وإرث تاريخي غني.
ومع ذلك، يواجه هذا القطاع تحديات جسيمة تتعلق بالفساد وسوء الإدارة، مما أثر سلبًا على الإيرادات المتوقعة.
وفي هذا السياق موقع “أخبار الغد“، يسلط الضوء على تجارب المواطنين وآراء المختصين حول هذا الموضوع الشائك.
أصوات المواطنين:
أكد أحمد عبد الله، أحد العاملين في مجال السياحة، أن “الفساد مستشري في كل مكان. هناك مسؤولون لا يهمهم سوى تحقيق مكاسب شخصية على حساب مصلحة البلاد”. وأضاف: “نرى السياح يأتون إلى قنا، لكن أين تذهب الأموال التي تنفق؟”
أما مريم سعيد، رائدة أعمال صغيرة في القطاع السياحي، فأوضحت أن “الإيرادات تذهب إلى جيوب قلة من المسؤولين، بينما نحن نعاني من نقص الدعم والتسهيلات”. ووصفت الوضع بأنه “كارثي”، مشيرة إلى أن “الحكومة لا تقدم الدعم الكافي للمشروعات الصغيرة والمتوسطة في هذا القطاع”.
آراء المختصين:
أشار الدكتور حسين فهمي، أستاذ جامعي في الاقتصاد، إلى أن “الفساد في قطاع السياحة هو مشكلة هيكلية عميقة”. وأوضح أن “سوء إدارة الإيرادات وتوزيعها بشكل غير عادل يساهم في تدهور الحالة الاقتصادية للمنطقة”. وطالب الحكومة بضرورة اتخاذ إجراءات حازمة لمواجهة هذه الظاهرة.
وفي ذات السياق، أوضح المهندس سعيد يوسف، خبير التخطيط السياحي، أن “الأموال التي تأتي من السياحة يجب أن تُستثمر في تحسين البنية التحتية وتعزيز الخدمات”. لكنه حذر من أن “عدم الشفافية في إدارة هذه الأموال يعكس فسادًا واضحًا ويقوض جهود التنمية”.
دراسات الحالة:
تحدثت لنا العديد من المصادر حول حالات فساد محددة. مثلاً، أشار المواطن محمد جاد، أحد المرشدين السياحيين، إلى حادثة تتعلق بتخصيص ميزانية لمهرجان سياحي محلي. “كانت الميزانية ضخمة، لكن التنظيم كان سيئًا جدًا، وكأن الأموال تم تحويلها لأغراض شخصية”.
ومن جهة أخرى، قالت سارة حسن، ناشطة حقوقية، إن “هناك حاجة ماسة لتشكيل لجان مستقلة لمراجعة حسابات السياحة في قنا”. وأضافت أن “الكثير من الأموال تُصرف دون مراقبة، مما يعزز من فرص الفساد”.
التحقيق في الأرقام:
بحسب الإحصائيات الرسمية، سجلت إيرادات السياحة في قنا ارتفاعًا ملحوظًا في السنوات الماضية، حيث بلغت نحو 2.5 مليار جنيه مصري في عام 2022. ومع ذلك، لا تعكس الخدمات المقدمة والفرص المتاحة في المحافظة هذا الارتفاع.
قال الدكتور خالد جمال، خبير السياحة، إن “الكثير من العائدات لا تُستخدم لتحسين المرافق السياحية، بل تُهدر في مشروعات وهمية”. وأوضح أن “الرقابة المالية غير كافية، مما يتيح للمسؤولين استغلال الوضع”.
التحقيق في دور الحكومة:
في محادثتنا مع أحد المسؤولين الحكوميين، أشار مصدر رفيع المستوي في السياحة “رفض ذكر أسمه”، إلى أن “الحكومة تعمل على تعزيز الشفافية وتحسين الإدارة”. لكن تصريحات المسؤولين غالبًا ما تتناقض مع الواقع، مما يزيد من فقدان الثقة بين المواطنين.
وعبّر الكثيرون عن استيائهم من تجاهل الحكومة لمطالبهم، وأكدوا على ضرورة محاسبة المسؤولين الفاسدين. حيث قال أحمد عبد الله: “نريد أن نرى تغييرات حقيقية، لا مجرد تصريحات”.
أصداء من الشارع:
لم يكن الوضع في قنا مجرد قضايا فساد محلية، بل كان له تأثيرات اجتماعية كبيرة. حيث أشار العديد من المواطنين إلى تأثير ذلك على حياتهم اليومية، فقدان فرص العمل، وانخفاض مستوى المعيشة.
ووفقًا لما قالته هالة سامي، موظفة حكومية، فإن “الأحلام تتلاشى مع كل تقرير يخرج عن الفساد. كيف يمكن لنا أن نعمل في قطاع ينخره الفساد؟”. وبناءً على ذلك، فإن الأمل في التغيير أصبح ضئيلًا.
دعوات للشفافية:
تتوالى الدعوات من مختلف الأطراف لتعزيز الشفافية في إدارة الإيرادات السياحية. حيث أشارت سارة حسن إلى أهمية “تشكيل لجان شعبية لمراقبة كيفية استخدام الأموال”. كما دعت إلى “نشر تقارير دورية حول الإيرادات والمصروفات”.
فيما أكد الدكتور حسين فهمي على ضرورة “إدخال التكنولوجيا في عمليات المراقبة، مثل استخدام الأنظمة الإلكترونية لمتابعة الأموال”.
رؤية للمستقبل
إن الفساد في قطاع السياحة في قنا ليس مجرد مشكلة إدارية، بل هو عائق أمام التنمية المستدامة التي يحتاجها المواطنون.
ومع تزايد الدعوات للشفافية والمساءلة، يبقى السؤال: هل ستستجيب الحكومة لمطالب الشعب وتضع حدًا لهذه الظاهرة؟ أم ستظل الأمور على حالها، مما يزيد من اليأس والاستياء بين المواطنين؟
في ظل هذه الظروف، يتطلع الجميع إلى تغيير حقيقي يمكن أن يعيد الثقة في قطاع السياحة، ويعزز من النمو الاقتصادي في قنا.
فإن إصلاح هذا القطاع يتطلب تضافر الجهود بين المواطنين والحكومة، لتصبح السياحة في قنا رمزًا للتنمية بدلاً من أن تكون ضحية للفساد.