مقالات ورأى

المعتصم الكيلاني يكتب: حصانة إسرائيل أمام القانون الدولي: هل يمكن كسر الحماية السياسية في المحافل الدولية؟

على مدى عقود، ظلت إسرائيل تتمتع بحماية سياسية قوية في المحافل الدولية، مما حال دون محاسبتها على الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان والقانون الدولي. ورغم صدور العديد من القرارات الأممية والتدابير القانونية ضد ممارساتها في الأراضي الفلسطينية ولبنان، يبدو أن إسرائيل تفلت باستمرار من الالتزامات الدولية. هذه الحصانة السياسية التي توفرها الدول الكبرى، خصوصاً الولايات المتحدة ودول أوروبية، تثير تساؤلات حول مدى فعالية القانون الدولي في تحقيق العدالة في هذا النزاع. هذا المقال يستعرض الحماية السياسية التي تحظى بها إسرائيل، مع إشارة إلى حالات قانونية وأمثلة على قرارات دولية حاولت تقييد هذه الحماية، ويتناول سبل كسر هذه الحصانة من خلال استراتيجيات قانونية ودبلوماسية.

الحماية السياسية التي تتمتع بها إسرائيل

إسرائيل تعتمد بشكل كبير على الدعم السياسي والدبلوماسي من حلفاء رئيسيين، لا سيما الولايات المتحدة، التي تُعد أكبر داعم لها على الساحة الدولية. هذا الدعم يتجلى في استخدام الفيتو المتكرر في مجلس الأمن ضد القرارات التي تدين ممارساتها في الأراضي المحتلة أو تطالب بوقف بناء المستوطنات. ومن الأمثلة على ذلك، قرار مجلس الأمن رقم 2334 لعام 2016، الذي أدان بناء المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والذي تم تمريره فقط بعد امتناع الولايات المتحدة عن التصويت، وهو استثناء نادر.

على الرغم من أن هذا القرار يعكس حالة عزلة إسرائيل على المستوى الدولي فيما يتعلق بمسألة المستوطنات، إلا أن فشل المجتمع الدولي في فرض عقوبات فعالة يظهر عمق الحماية التي تتمتع بها. هذه الحماية ليست مجرد نتيجة للعلاقات السياسية، ولكنها تعبير عن توازنات قوى عالمية تستخدم القانون الدولي كأداة لتحقيق مصالحها.

محكمة العدل الدولية والتدابير المؤقتة: تجاهل إسرائيل للأحكام الدولية

في 26 يناير 2023، فرضت محكمة العدل الدولية (ICJ) تدابير مؤقتة على إسرائيل في سياق نزاع قانوني حول حقوق الفلسطينيين. كانت هذه التدابير تهدف إلى إجبار إسرائيل على الامتثال لالتزاماتها القانونية وفقاً لاتفاقيات جنيف المتعلقة بحماية المدنيين في النزاعات المسلحة. رغم هذه التدابير، لم تلتزم إسرائيل بأي من تلك الإجراءات، مما يعكس نمطاً ثابتاً من رفض التعاون مع الهيئات الدولية.

موقف إسرائيل تجاه محكمة العدل الدولية ليس استثناءً؛ إذ سبق أن تجاهلت رأي المحكمة الاستشاري الصادر في عام 2004 الذي أكد أن الجدار الفاصل الذي تبنيه إسرائيل في الأراضي المحتلة غير قانوني، وطلب منها تفكيكه وتعويض المتضررين. ورغم التأييد الدولي الواسع لهذا الرأي، لم يُتخذ أي إجراء لتنفيذه، مما يعكس مرة أخرى فعالية الحماية السياسية التي تتمتع بها إسرائيل.

مجلس حقوق الإنسان وتصدير الأسلحة: جهود غير مثمرة

إلى جانب محكمة العدل الدولية، كان مجلس حقوق الإنسان للأمم المتحدة أحد الهيئات التي حاولت فرض ضغوط على إسرائيل. في 2021، دعا المجلس الدول الأعضاء إلى فرض قيود على تصدير الأسلحة إلى إسرائيل، وذلك استجابة للاستخدام المفرط للقوة خلال العمليات العسكرية ضد قطاع غزة. رغم التأييد الواسع لهذه الخطوة، إلا أن القرار لم يُنفذ فعلياً من قبل العديد من الدول، وخاصة تلك التي تصدر الأسلحة لإسرائيل.

هذه الأمثلة توضح أن القرارات الدولية التي تهدف إلى محاسبة إسرائيل تُعرقل بفضل الحماية السياسية التي تحصل عليها. إن استمرار تصدير الأسلحة إلى إسرائيل، رغم دعوات الهيئات الدولية لمنع ذلك، يُعتبر مؤشراً واضحاً على فشل القانون الدولي في التعامل مع النزاع بفعالية.

المحكمة الجنائية الدولية: طلبات توقيف بدون تنفيذ

في 2023، طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية من الغرفة التمهيدية استصدار مذكرة توقيف دولية بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في الأراضي المحتلة. ورغم توفر الأدلة الكافية للمضي قدماً في هذه القضية، إلا أن الغرفة التمهيدية لم تتخذ حتى الآن قراراً نهائياً بشأن إصدار المذكرة.

هذا التأخير في الإجراءات يثير تساؤلات حول مدى استقلالية المحكمة الجنائية الدولية ومدى تعرضها للضغوط السياسية. فالدول الكبرى، وخاصة الولايات المتحدة، التي ترفض الانضمام إلى نظام المحكمة، تشكل عائقاً رئيسياً أمام ملاحقة المسؤولين الإسرائيليين. هذه الديناميكية تُظهر كيف أن الحصانة التي تتمتع بها إسرائيل ليست فقط نتيجة للدعم الدبلوماسي، بل أيضاً جزء من نظام دولي مُسيّس يُعطي الأولوية للتحالفات السياسية على حساب العدالة الدولية.

القرارات الأممية والهروب من المساءلة

على مدار السنوات، أصدرت الأمم المتحدة ومحاكم دولية أخرى العديد من القرارات ضد إسرائيل. على سبيل المثال، قرارات الجمعية العامة التي تدين الاحتلال الإسرائيلي وتطالب بإنهائه، مثل القرار 194 الذي يعترف بحق العودة للاجئين الفلسطينيين. ومع ذلك، فإن هذه القرارات غالباً ما تُقابل بالرفض أو التجاهل من قبل إسرائيل، ما يعكس مرة أخرى محدودية فعالية المؤسسات الدولية في فرض القانون على دولة تتمتع بحماية سياسية قوية.

سبل تجاوز الحصانة السياسية: استراتيجيات قانونية ودبلوماسية

رغم أن الحصانة السياسية التي تتمتع بها إسرائيل تبدو قوية، إلا أن هناك سبلًا يمكن من خلالها تجاوز هذه الحواجز. أحد الخيارات الرئيسية هو تعزيز دور المجتمع المدني الدولي في الضغط على الحكومات والمطالبة بتفعيل القرارات الأممية والمساءلة القانونية. حملة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS) تُعد نموذجاً ناجحاً في هذا السياق. هذه الحركة نجحت في توجيه الضغط على الشركات والدول التي تتعامل مع إسرائيل، مما أدى إلى خسائر اقتصادية وإلى تزايد الضغوط الدبلوماسية.

إلى جانب ذلك، يجب على الدول التي تدعم الحقوق الفلسطينية أن تكون أكثر جرأة في تقديم قضايا قانونية أمام المحاكم الدولية والمحافل القانونية المختلفة. كذلك، يجب أن تُبذل جهود أكبر لتعزيز التعاون بين الدول والمنظمات غير الحكومية والمحامين الدوليين لتوثيق الجرائم والانتهاكات الإسرائيلية والعمل على تقديمها أمام القضاء الدولي.

حصانة إسرائيل أمام القانون الدولي ليست مجرد نتاج لقوة سياسية ودبلوماسية، بل هي جزء من نظام دولي يسوده توازن قوى غير متكافئ. ورغم الجهود القانونية والدبلوماسية التي بُذلت، تظل الحماية التي توفرها الدول الكبرى عائقاً أمام تحقيق العدالة للفلسطينيين واللبنانيين. كسر هذه الحصانة يتطلب تنسيقاً دولياً قوياً بين الحكومات، المؤسسات القانونية، والمجتمع المدني، بالإضافة إلى استخدام كافة الأدوات القانونية والدبلوماسية المتاحة. تحقيق العدالة في هذا النزاع لن يكون سهلاً، لكنه هدف يمكن الوصول إليه إذا توفرت الإرادة السياسية والقانونية على المستوى الدولي.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى