العقل العربي وربما العقل المسلم عموما يعاني تشوهات في التفكير وقصورا في التدبير، هذا بفعل نوعية التربية والتعليم ومناهجه ومحاضنه.. لا أقصد التعليم المدرسي فقط، بل التربية والتعليم عموما في البيت والمدرسة والجامعة والمسجد والإعلام، في الحزب والجماعة والطائفة.
ولماذا التناول هنا لعقلية الناشط الإسلامي بصفة خاصة؟ لأن نشطاء العمل الإسلامي يُراهن عليهم بدرجة أكبر من غيرهم في معادلة الإصلاح والتغيير، أيضا للاصطفاف الشعبي حول نشطاء العمل الإسلامي أكثر من غيرهم، وأيضا لتأثير المكون الديني في المحيط العربي والإسلامي عن غيره من المكونات، وهكذا.
من هذه التشوهات:
أولاً: غياب التفكير العلمي وغلبة التفكير عن طريق السلطة خاصة السلطة الدينية، وبصفة أخص السلطة التنظيمية، في الجماعة أو الطائفة أو الحزب، ويكون الناشط الإسلامي أداة تنفيذ لا أكثر، وربما يكون نقاشه أو سؤاله في بعض الأحيان مزعجا للقيادة، وقد يوصف بالمشاغب أو قليل الطاعة أو غير ذلك. وخطورة هذا النمط في غياب منصات القيادة أو العناصر الفاعلة لأسباب السجن أو الاعتقال أو غير ذلك، فيكون الارتباك والتيه والتشتت. والأجهزة الأمنية تعلم ذلك جيدا وتتعاطى معه باحتراف شيطاني يجعل الكيان الإسلامي دوما مرتبكا ومضطربا.
ثانياً: الأماني عن سنن وقوانين الواقع (ليس كل ما تتمناه ممكنا) جهد قليل مخلص، لكنه لا يكافئ الأماني والأحلام والوعود، فيترتب عليه الإخفاق وعدم تحقق الأهداف، وهذا يورث الإحباط أو التأويلات المغيبة للوعي هروبا من الواقع المؤلم.
ثالثاً: غلبة ثقافة ونمط الدفاع والتبرير عن المراجعة والتقييم، وهنا يبذل الجهد والوقت دون عائد، ولو أنفق نصف هذا القدر في المراجعة والتقويم لكانت النتائج الواضحة في التغيير والتطوير.
رابعاً: التحول من الخطاب الدنيوي الذي يعتمد الأسباب والنتائج وتحمل مسؤولية الأقوال والأفعال، إلى الخطاب الديني الذي يعتمد القواعد الكلية، فعند وجود عدم التكافؤ في القوى يكون: “إن تنصروا الله ينصركم”، و”كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة”، وعندما يشعر بالعجز وقلة الحيلة يكون: “ليس لها من دون الله كاشفة”، أو “قدر الله غالب”.
خامساً: تعميم الحالات الخاصة في الكرامات والمعجزات للأنبياء والصالحين على الممارسات اليومية والتحديات الصراعية، فـ”نوح قاد السفينة وهو ليس ربانا، ولا قبطانا”، و”للبيت رب يحميه”.
سادساً: تأصيل الابتلاء وإهمال الاعتبار (الابتلاء من طبيعة الطريق)، وإن كانت العافية هي الأصل، مع عدم التصدي دون جاهزية. وهنا تزداد المحن ويفتن الناس في دينهم ودنياهم.
سابعاً: إسقاط الآيات والأحاديث على غير حالاتها، في الكفر والإيمان، والحق والباطل، ما يورث أجواء الاستعلاء دون مؤهلات، والعيش في عالم يشبه العالم الافتراضي.
ثامناً: الركون للنوايا الطيبة وعدم استكمال الأسباب الكافية (علينا الأخذ بالأسباب)، وأنه ليس علينا إدراك النتائج (مخالفة لمبدأ تحمل مسؤولية الأعمال بنتائجها)، وبالتالي غياب المراجعة والمساءلة والإعفاء والإقالة، وشيوع ثقافة الدفاع والتبرير.
تاسعاً: الفجوة بين القيم والإجراءات، فالكيان والتنظيم الإسلامي هو كيان قيمي غالبا، يضع فيه الأشخاص أنفسهم في مرتبة عليا نسبيا، خاصة منصات القيادة، لكن اتساع الفجوة بين القيم والسلوك وبين القول والفعل، يترتب عليه هز الثقة أو تأويلات فاسدة تبرر للأشخاص الأخطاء والمخالفات، والخطير أن تكون ثقافة سائدة.
عاشراً: الأجواء الطاردة للإبداع وفرض القولبة واعتبارها سمة مميزة، وغيرها من التنوع خروجا عن الصف وخرقا للإجماع وتهديدا للكيان.