مقالات ورأى

الدكتو عمرو هاشم ربيع : سلطة تضع رأسها في الرمال…عودة أزمة المواقع الإلكترونية

منذ بضعة أيام أصدر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام قرارا برفض طلب ترخيص موقع “فكر تاني” الصحفي الإلكتروني الذي تقدمت به شركة “فري ثانك ميديا”. وذكر المجلس في تبريره للرفض أن الموقع المتقدم للترخيص لم تتوافر فيه 3 شروط فنية وقانونية هي

عدم وضوح السياسة الإعلانية للموقع، وعدم وضوح مصادر وطرق تمويله، وعدم وضوح خطة تأمين الأجهزة والمعدات المستخدمة في تقديم الخدمة عبر الموقع. 

الرفض الذي ساقه المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام يعيد إلى الأذهان العديد من المشكلات المرتبطة بحرية الرأي والتعبير، لا سيما من قبل السلطة التي مردت على دفن رأسها في الرمال، فتوهمت أن قرارها يمنع الناس من معرفة الحقائق.

وكانت السلطة التنفيذية في مصر قد قامت للمرة الأولى بحجب المواقع الإلكترونية في مايو2017 على خلفية وجود مواقع تدعم الإرهاب، ويومئذ قامت بحجب 60 موقعا جملة واحدة منها 48 موقعا إخباريا.

بعدئذ تعددت المواقع المحجوبة، وكان بعضها إخباري، وبعضها يختص بالتدوين الحر، وبعضها عبارة عن قنوات تليفزيونية، وبعضها عبارة عن صحف إلكترونية، وأخيرا كان هناك حجبا لمواقع تخص الأفلام والمسلسلات. جدير بالذكر أن الحجب المصري للمواقع الإلكترونية قد طرأ عليه طفرة كبيرة، وطال آلاف المواقع،

عقب قيام دولة الإمارات العربية والمملكة العربية السعودية بحجب عديد المواقع مع مصر على خلفية الخلاف مع قطر في يونيو 2017 وكذلك عشية انتخابات الرئاسة في مصر عام 2018.  

بداية، يجب أن نشير إلى أن القرارات التي تصدر من المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام هي بمثابة قرارات إدارية، لا علاقة لها بأي جهه قضائية، ومن ثم فإن تلك القرارات التي تمعن في غلق المجال العام هي قرارات بيروقراطية مكتبية،

عادة تصدر من خارج المجلس. وهي تذكر بما مردت عليه السلطة إبان حقبة الرئيس الراحل أنور السادات ثم الرئيس الراحل حسني مبارك، عندما أسست وفق قانون الأحزاب السياسية لجنة للأحزاب السياسية، كان غرضها النظر في مدى صلاحية الكيانات كي تتحول إلى أحزاب سياسية. وكانت النتيجة في واقع العملي، هو بروز كيانات منظمة وقوية خارج إطار الشرعية القانونية،

ومنع الكيانات التي ترغب في التعبير عن رأيها في صورة أحزاب سياسية تمارس نشاطها في العلن من ممارسة ولعب دور حيوي في الحياة السياسية. 

يرتبط بما سبق أن القرارات التي يصدرها المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام هي قرارات منعدمة الفائدة، لأن السوابق جرت على أن يقوم المحجوب عن الظهور في دولة ما إما بالتلاعب عبر عديد الوسائل الإلكترونية التي مرد عليها البلوجرز وغيرهم للتغلب على تلك المشكلة ببعض الوسائل،

ومن ثم الصدور بشكل كامل من داخل القطر الذي استمرأ حجب المعلومات، وهي الوسائل التي تتكرر من هؤلاء إذا ما نجحت اللأجهزة الأمنية -الحازقة في فنون المعلومات-بحجب الموقع بعد وثوبه على المعوقات الإلكترونية. أما الاتجاة الآخر الذي يحدث ويستسهله البعض لتخطى عقبة الترخيص، فهو صدور الموقع الإلكتروني من دولة خارج مصر،

ثم قيام القائمين على الموقع ببعض التقنيات التي تمكنهم من خرق الحجب الداخلي، وهو ما فعلته عديد المواقع الإلكترونية كالجزيرة -في وقت سابق- وغيرها من الواقع. 

إضافة إلى كل ما سبق أن القرار أنف الذكر الذي أصدره المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام هو قرار يتسم بالغموض وقد انتقدته عديد المؤسسات غير الرسمية في الدولة المصرية المنتمية للمجتمع المدني، والمحسوبة على الجماعة المعنية بحقوق الرأي والتعبير وبعض هؤلاء جماعات حقوقية

. فنقابة الصحفيين على سبيل المثال انتقدت بشدة الحجج التى ساقها المجلس لرفض تدشين موقع “فكر تاني” واعتبرها حجج واهية وغائمة ومائعة، لأنها تضمنت بالأساس عبارات مرنة ومطاطة ولا تتسم بالوضوح، ما جعل تبرير الرفض مجرد ذرائع واهية لا علاقة لها بالواقع. 

من ناحية ثانية، فإن ما قامت به السلطة في مصر من رفض لتدشين “فكر ثاني” وغيره من المواقع الإلكترونية في السابق، لهو أكبر دليل على أن السلطة في مصر تنكر ما دعت إليه من فتح المجال العام في البلاد، من خلال خطوات لعل أبرزها دستور2012

المعدل في المواد 70و71 و72 وحديثا الإعلان عن الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان (21-2026) الصادرة في يناير 2021، وهي الإستراتيجية التي تنادى بحرية الرأي والتعبير. تقول الإستراتيجية في ص24 “1-يكفل الدستور حق الفرد في التعبير بالقول، أو الكتابة أو التصوير،

أو غير ذلك من وسائل التعبير والنشر، وهو ما يرتبط بحرية الصحافة والإعلام والطباعة والنشر الورقي والمسموع والإلكتروني…. 3- يكفل القانون حرية الصحافة والإعلام والطباعة والنشر الورقي والمسموع والمرئي والإلكتروني….”. كل ما سبق مجمد ولا علاقة له بما يدور في الواقع.

إضافة إلى ذلك، فإن حجب المواقع الإلكترونية في مصر هو أبلغ سبب لإستشراء الشائعات، وتداول كل ما هو مثير ومقلق ومحفز للشارع ضد السلطة في مصر، وهي أمور يقوم بها أعداء الدولة والمجتمع في مصر، في هذا الوقت على سبيل الحصر، ويقصد هنا الكيان الصهيوني الذي يلعب دورا تخريبيا في إثارة الفتن والنزاعات بين أبناء الوطن. 

من ناحية أخرى، فإنه وفي إطار المناخ العولمي والمنظومة التكنولوجية عالية الكفاءة، ليس من المفيد على الإطلاق أن تتجه السلطة في مصر إسلوب حجب المواقع الإلكترونية،

لا سيماوهي تدرك جيدأ أن الناس يستطيعون أن يحصلوا على مصادر المعلومات من القنوات الفضائية ومواقع التواصل الاجتماعي ومصدرها تطبيقات الهواتف النقالة وكذذلك شبكة المعلومات العنكبوتية (النتية)، وكلها أدوات جعلت الحجب والمنع الحكومي مجرد أدوات مضحكة يلجأ إليها ضيق الأفق وقليل الحيلة. 

أخيرا وليس آخرا، وبناء على الملاحظة السابقة فإن الرغبة الرسمية في الحجب الإلكتروني تهدف زيفا وحيدة عن الواقع إلى اعتماد الناس على مصدر واحد للمعلومات، وهو عادة المتحدة للإعلام، وهذا المصدر أو البوق الرسمي لا ينتج إلا منصات إلكترونية رسمية، وكان عليه أن ينتج أصوات متعددة تعمل تحت مظلته.

هو ينتج وبسرعة مذهلة قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات (175 لسنة 2018) ولا ينتج قانون حرية تداول المعلومات!!. كل هذا ينتج دولة متفرغة للأمن فقط وهو ما يفرخ عداوات اجتماعية مستمرة، ويتجاهل كل طاقات التنمية والتقدم في نظام سياسي يعيش أسوء أزمة اقتصادية عرفها حديثا.

في الأسابيع القليلة القادمة وعقب مناقشة قضية الدعم سيقوم الحوار الوطني باستكمال القضايا المرتبطة بلجنة حقوق الإنسان والحريات. فبعد أن ناقشت تلك اللجنة منذ بضعة أشهر إصدار قانون منع التمييز وقانون العمل الأهلي والحبس الاحتياطي، يتبقى على جدول أعمالها التعذيب في السجون،

وكذلك أحكام حرية وسائل الإعلام والصحافة وإستقلالها وحيادها وتعددها والعقوبات السالبة للحرية في قضايا النشر والعلانية وقانون تداول المعلومات. ..هنا سيبقى السؤال هل ستقوم السلطة بتنفيذ مقررات الحوار الوطني المؤكدة لحرية الرأي والتعبير وقتئذ،

أم أن تلك القرارات ستلحق بعديد القرارات التي أصدرتها ووضعتها الحكومة في ثلاجة مجلس النواب، كما حدث مؤخرا في مقررات الحبس الاحتياطي التي تم العبث بها خلال مناقشة اللجنة الدستورية والتشريعية لقانون الإجراءات الجنائية

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى