ثقافة وفنون

يوسف شاهين: أيقونة السينما الجريئة وعبقرية الإخراج الخالدة

يعتبر يوسف شاهين أحد أعظم المخرجين في تاريخ السينما العربية والمصرية، إذ ترك بصمة لا تُمحى في هذا المجال عبر تقديم أعمال تحمل طابع الجرأة والتفرد.

ولم يكن شاهين مجرد مخرج، بل كان مفكرًا وثائرًا على التقاليد السينمائية السائدة، مؤمنًا بقوة الفن في إثارة القضايا الاجتماعية والسياسية.

وبفضل شجاعته في تناول الموضوعات الحساسة، وتقديم رؤية فنية غير تقليدية، أصبحت أفلامه تمثل محطات بارزة في تاريخ السينما العالمية.

من بين أفلامه التي تحتل مكانة خاصة في قلوب عشاق السينما، يبرز فيلم “الأرض”. يُعد هذا العمل من أهم الأعمال التي شكلت جزءًا لا يتجزأ من الهوية السينمائية العربية.

وفي حوار نادر أجرته معه قناة “ماسبيرو زمان” على يوتيوب، تحدث يوسف شاهين عن كواليس هذا الفيلم بتفاصيل مثيرة.

وأشار إلى أن النص كتبه الشاعر العظيم عبد الرحمن الشرقاوي، الذي أعطى للفيلم بعدًا شعريًا وإنسانيًا يعكس معاناة الفلاح المصري في الدفاع عن أرضه.

وأكد شاهين أن بطل الفيلم، محمود المليجي، قدم دورًا استثنائيًا من خلال تجسيد شخصية محمد أبو سويلم، الفلاح الذي يرفض التخلي عن أرضه رغم كل الصعوبات، مما جعله يعبر عن روح المقاومة والصمود.

فيما يتعلق بحياته الشخصية، فقد كانت زوجة يوسف شاهين، كوليت فافودون، شريكته في الحياة لمدة طويلة.

وقد توفيت مؤخرًا عن عمر يناهز 95 عامًا، حيث أعلنت المخرجة ماريان خوري هذا الخبر عبر حسابها على فيس بوك، واصفة إياها بأنها كانت “رفيقة درب يوسف شاهين”.

وكانت حياة يوسف شاهين مليئة بالتحديات، لكن كوليت كانت دائمًا إلى جانبه، داعمة له في رحلته الفنية الاستثنائية.

كانت مسيرة يوسف شاهين الفنية مليئة بالإبداع والجرأة، حيث تميز بتقديم أفلام تجمع بين العمق الفكري والجمال البصري.

وأفلامه لم تكن مجرد وسيلة ترفيه، بل كانت منصة لطرح قضايا المجتمع والتاريخ والسياسة.

ومن بين تلك الأفلام، نجد “باب الحديد”، الذي تناول قضايا الطبقات المهمشة في المجتمع المصري، وفيلم “الناصر صلاح الدين”، الذي عكس صراعات تاريخية مهمة.

كما يُعد فيلم “عودة الابن الضال” أحد أبرز أعماله التي استلهم فيها واقع المجتمع المصري في فترة ما بعد ثورة 1952.

أما فيلم “إسكندرية… ليه؟”، فهو يعتبر انعكاسًا لسيرة شاهين الذاتية، حيث تناول فيه طفولته وشبابه ونشأته في مدينة الإسكندرية التي أحبها وأثرته ثقافيًا وفنيًا.

وهذا الفيلم نال جائزة “الدب الفضي” في مهرجان برلين السينمائي، ليضع شاهين بين أعظم المخرجين على مستوى العالم.

ولاحقًا، تابع شاهين تقديم سلسلة “إسكندرية” التي ضمت أفلامًا مثل “إسكندرية كمان وكمان” و”إسكندرية نيويورك”، حيث استمر في استكشاف العلاقة المعقدة بين الشرق والغرب، وبين الماضي والحاضر.

إلى جانب “إسكندرية… ليه؟”، قدم شاهين أيضًا أعمالًا مهمة أخرى مثل “وداعًا بونابرت”، الذي تناول قصة احتلال نابليون لمصر، و”اليوم السادس”، الذي عبر فيه عن قصة صراع مع المرض والتحديات الشخصية.

ومن أفلامه الأكثر إثارة للجدل كان فيلم “المهاجر”، الذي استوحى قصته من حياة النبي يوسف، ما أثار جدلاً واسعًا في الأوساط الدينية والثقافية في مصر.

لم تكن أفلام يوسف شاهين مجرد تجارب سينمائية عابرة، بل كانت محطات تحدٍّ ومقاومة.

وفيلمه “المصير” يعد مثالًا آخر على ذلك، إذ عكس من خلاله رؤية فلسفية وفكرية حول الصراع بين العلم والجهل في فترة الأندلس.

وهذا الفيلم تم ترشيحه لنيل جائزة السعفة الذهبية من مهرجان كان، وهو إنجاز كبير لشاهين في مسيرته السينمائية العالمية.

وفي نفس الدورة، نال جائزة “إنجاز العمر” في احتفال خاص بمناسبة مرور خمسين عامًا على إقامة المهرجان.

كان لشاهين شجاعة كبيرة في كسر القيود وتحدي السلطة، سواء كانت سلطة سياسية أو اجتماعية.

وهذه الجرأة جعلته من المخرجين القلائل الذين وصلوا للعالمية، وكان دائمًا على استعداد لخوض المغامرة في تقديم أفلام تثير النقاش والجدل.

في يوم 27 يوليو 2008، ودعت السينما العالمية يوسف شاهين بعد أن وافته المنية عن عمر ناهز 82 عامًا.

وقضى شاهين أسابيعه الأخيرة في مستشفى المعادي بالقاهرة، حيث دخل في غيبوبة لمدة تجاوزت الستة أسابيع.

وفي وداعه الأخير، أقيم له قداس في كاتدرائية القيامة في العباسية بالقاهرة، ودفن جثمانه في مقابر الروم الكاثوليك بالشاطبي، في مدينته الإسكندرية التي كانت مصدر إلهامه ومحبته.

بهذا، انتهت رحلة يوسف شاهين الجسدية، لكن إرثه السينمائي والفكري سيبقى خالدًا، مؤثرًا في أجيال من المخرجين والعشاق للسينما.

وأعماله التي عكست حياة المصريين، وقضاياهم وتحدياتهم، ستظل دائمًا شاهدًا على عبقرية مخرج تحدى القيود وفتح آفاقًا جديدة للفن العربي.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى