تجارة الآثار في الأقصر: تورط مسؤولين في شبكة دولية
تُعد مدينة الأقصر واحدة من أهم مواقع التراث الثقافي في العالم، حيث تحتضن العديد من الآثار الفرعونية التي تروي تاريخ مصر العريق.
ولكن، في خضم جمال تلك الآثار، تتكشف حقائق مروعة حول تجارة الآثار غير المشروعة. وفي هذا السياق موقع “أخبار الغد” يكشف عن تورط مسؤولين محليين في شبكة دولية لتهريب الآثار النادرة من الأقصر إلى الخارج، مما يثير التساؤلات حول الفساد المستشري وكيفية حماية التراث المصري.
الفساد في قلب الأقصر
في عام 2023، بدأت تتكشف دلائل على وجود شبكة منظمة تهرب الآثار المصرية. حسب معلومات سرية حصلنا عليها، يُعتقد أن مجموعة من المسؤولين المحليين يتعاونون مع مهربين دوليين لتسهيل عمليات التهريب.
ويعبّر محمد صلاح، أحد سكان الأقصر، عن استيائه قائلاً: “كل يوم نسمع عن قطع أثرية تُهَرّب، والأهم من ذلك هو من يسهل هذه العملية. كيف يُمكن لمثل هؤلاء المسؤولين أن يبيعوا تاريخ بلادهم مقابل حفنة من المال؟”
الفضيحة تظهر إلى العلن
وفي حادثة وقعت في يونيو 2023، تمكنت السلطات من ضبط عدد كبير من القطع الأثرية المسروقة في إحدى الشحنات المتجهة إلى خارج البلاد. هذه الشحنة كانت تضم تماثيل ومجوهرات نادرة، وكان من الواضح أنها تُهرَّب بالتواطؤ مع بعض المسؤولين.
وتؤكد دكتور سامية جاد الله، أستاذة الآثار بجامعة الأقصر: “ما حدث هو مجرد قمة الجليد. التجارة في الآثار تُعتبر جريمة كبيرة، ولكن الفساد المحلي يجعل من الصعب محاسبة المسؤولين. نحن بحاجة إلى خطة شاملة لمكافحة هذه الجريمة.”
آراء المواطنين: غياب الثقة
تتزايد الشكوك بين المواطنين حيال الحكومة، وبدأت تُثار تساؤلات حول كيفية حدوث ذلك دون علم الأجهزة الأمنية.
ويقول أحمد عبد الله، تاجر آثار سابق: “إنهم يعرفون جيدًا ما يحدث، لكنهم يتغاضون عنه. كل ما نريده هو حكومة شفافة تحمي تراثنا.”
المختصون يُدلون بشهاداتهم
التقينا بمجموعة من الخبراء في مجال الآثار والقانون، الذين أبدوا قلقهم إزاء الوضع الحالي. دكتور نبيل عامر، خبير آثار،
يُعرب عن استيائه من الوضع قائلاً: “إذا استمر الوضع على هذا النحو، فلن تبقى لدينا آثار لنعرضها للأجيال القادمة. كل قطعة تُهَرّب هي جزء من هويتنا.”
دور الحكومة
الحكومة، من جانبها، أكدت أنها تعمل على اتخاذ إجراءات صارمة ضد تجار الآثار، لكن ذلك لم يخفف من شعور المواطنين بعدم الثقة.
وتُشير مهندسة آثار رانيا علي، إلى ضرورة وجود تشريعات أكثر صرامة: “نحتاج إلى قوانين تجعل من الصعب تهريب الآثار، بالإضافة إلى توعية الجمهور بأهمية الحفاظ على تراثنا.”
ضغوط المجتمع المدني
أصبح المجتمع المدني في الأقصر يتحرك بفعالية، حيث قامت بعض المنظمات غير الحكومية بتنظيم حملات توعية حول أهمية الحفاظ على التراث.
وتقول سارة حسن، ناشطة في مجال حقوق الإنسان: “الفساد ليس مجرد قضية سياسية، بل هو تهديد لهويتنا وثقافتنا. يجب أن نكون صوتًا قويًا للحق في الحفاظ على آثارنا.”
أبعاد دولية
مع تزايد الطلب العالمي على الآثار، أصبحت الأقصر هدفًا رئيسيًا لتجار الآثار. تُظهر التحقيقات أن بعض المهربين مرتبطون بشبكات دولية، مما يزيد من تعقيد المشكلة.
ويوضح دكتور عادل زكريا، خبير قانون دولي: “تجارة الآثار ليست مجرد جريمة محلية، بل هي جزء من جريمة منظمة عالمية. الدول بحاجة إلى التعاون لمكافحة هذه الظاهرة.”
دعوات لإصلاحات
هناك دعوات متزايدة لضرورة إجراء إصلاحات شاملة في القطاعات المسؤولة عن حماية الآثار. محمود الشريف، رئيس جمعية حماية التراث، يؤكد: “يجب أن يكون هناك نظام يضمن عدم تورط المسؤولين في مثل هذه الأعمال. يجب أن تتوفر آليات للمراقبة والمحاسبة.”
أمل في المستقبل
على الرغم من الصورة الكارثية التي تظهرها التحقيقات، فإن هناك أملًا في المستقبل. بدأت بعض المبادرات في الأقصر تهدف إلى تعزيز الوعي بأهمية حماية الآثار، وجذب انتباه السلطات إلى ضرورة العمل الجاد لمواجهة هذه الظاهرة.
وتقول فاطمة رجب، ناشطة شابة: “نحن جيل جديد وعلينا أن نحمي تراثنا. يجب أن نكون أكثر نشاطًا في الحفاظ على آثارنا، ونحارب الفساد بكل قوتنا.”
الأمل في مواجهة الفساد
تجارة الآثار في الأقصر ليست مجرد قضية تتعلق بالقطع الأثرية، بل هي قضية تتعلق بالهوية الوطنية والثقافية.
ويجب على الحكومة والمواطنين أن يتعاونوا من أجل الحفاظ على هذا التراث الذي يُعد جزءًا لا يتجزأ من تاريخ الإنسانية. الوقت حان لنقف جميعًا ضد الفساد، ولنكون صوتًا قويًا يطالب بحماية آثارنا، قبل فوات الأوان.