تقارير

التوك توك والتيك توك: كارثة اقتصادية قضيا على الحرف والمهن في مصر

في زمنٍ يتسارع فيه التقدم التكنولوجي، تواجه مصر تحديات غير مسبوقة تسببت فيها ظواهر اجتماعية واقتصادية جديدة.

ويعاني الكثير من المصريين من ظاهرة انتشار “التوك توك” و”التيك توك”، التي أثرت بشكل سلبي على الكثير من المهن والحرف التقليدية.

وفي هذا السياق موقع “أخبار الغد” يسلط الضوء على هذه الظاهرة ويدعو للتفكير في تداعياتها، سواء من وجهة نظر المواطنين العاديين أو الخبراء في المجالات الاقتصادية والاجتماعية.

صعود التوك توك

“التوك توك” أصبح رمزاً للتغيير في الشارع المصري. بدايةً كوسيلة نقل بسيطة وفعّالة، تطور الأمر ليصبح مهنة جديدة يعتمد عليها الكثيرون.

ومحمد حسن، سائق توك توك في إحدى مناطق القاهرة الشعبية، يقول: “بعد ما كنت شغال كنجار، خسرت شغلي بسبب قلة الطلب. التوك توك خلاني أكسب أكثر وبشكل أسرع”.

لكن، هل كان لهذا التحول نتائج إيجابية على المدى الطويل؟ أوضح أحمد علي، خريج كلية الهندسة، أن “التوك توك” ساهم في تدمير الكثير من المهن الحرفية. “الأمر ليس مجرد وسيلة نقل، بل هو رمز لإهمال الحرفيين ولغياب التخطيط الاقتصادي”.

التأثير على الحرف والمهن

تقول هالة توفيق، حرفية في صناعة الأثاث، إن المهنة التي تمارسها تعاني من انحسار كبير بسبب غزو التوك توك: “كنا نعيش من عملنا، لكن الآن لم يعد هناك طلب على منتجاتنا. الكل يريد حلولاً سريعة ورخيصة”.

تتحدث هالة بحزن عن الحرفيين الذين فقدوا أعمالهم. “في الماضي، كان هناك فنانون يجيدون صناعة الأثاث، أما اليوم، أصبحنا مهددين بالفناء”.

التيك توك: أداة تدمير أم ترويج؟

أما في الجهة الأخرى، فإن “التيك توك” يمثل ظاهرة جديدة تسيطر على عقول الشباب. فهو منصة اجتماعية تتيح لهم التعبير عن أنفسهم، لكنه أيضاً يعتبر عاملاً مدمراً لبعض القيم الاجتماعية.

وتقول مريم زكريا، ناشطة اجتماعية، إن “الشباب ينشغلون بتقليد الآخرين بدلاً من تطوير مهاراتهم الحرفية”.

تشير مريم إلى أن الكثير من الشباب فقدوا شغفهم بالمهن التقليدية. “لم يعد لديهم دافع للعمل في الحرف التي كانت تؤمن لهم لقمة العيش. إنهم يرون أن الشهرة على التيك توك أسهل وأسرع”.

رأي الخبراء

تحدثنا مع الدكتور نبيل الجبالي، خبير اقتصادي، الذي أعرب عن قلقه من تأثير هذه الظواهر على الاقتصاد المصري. “الانتقال إلى التوك توك والتيك توك يشير إلى أزمة ثقافية واقتصادية. الشباب يفضلون العمل في مجالات غير تقليدية، مما يضر بنمو الاقتصاد الوطني”.

كما أضاف: “نحتاج إلى استراتيجيات لإعادة تأهيل هؤلاء الشباب، وتعزيز قيمة الحرف والمهن التقليدية”.

الفساد وعدم التخطيط

يؤكد الكثير من المواطنين أن غياب التخطيط الحكومي ساهم في تفشي هذه الظواهر. “الفساد في الحكومات المحلية تسبب في عدم وجود قوانين تنظيمية تحكم عمل التوك توك، مما زاد من الفوضى في الشارع”، يقول خالد رشدي، صاحب ورشة خراطة.

يضيف خالد: “ما يحدث هو استهتار بكل ما هو تقليدي. لدينا حرفيون يمكنهم تقديم أعمال رائعة، لكن الحكومة لا تدعمهم”.

صوت الشارع

لتسليط الضوء على آراء المواطنين، أجري موقع “أخبار الغد” استطلاعًا في بعض الأحياء الشعبية. قال أحد المواطنين، عادل مرسي: “التوك توك مشكلتنا. يزحم الشوارع ويجعل الحركة صعبة، ولكن الناس لا تجد فرصة للعمل في أي شيء آخر”.

وفي منطقة أخرى، قال محمود جمال: “الشباب يفضلون العمل على التوك توك أو الشهرة على التيك توك لأنهم لا يرون في الحرف التقليدية أي مستقبل”.

أثر الثقافة على المهن

تعتبر الثقافة عاملًا مهمًا في تأثير التوك توك والتيك توك على الحرف التقليدية. تقول رنا عادل، طالبة في كلية الفنون، إن “الشباب يميلون إلى الانفتاح على الثقافات الجديدة، لكنهم في نفس الوقت يبتعدون عن جذورهم”.

“لا أرى أي دعم للمواهب الحرفية في بلادنا. إنهم لا يروجون للثقافة المحلية بل يسعون وراء المشاهير على التيك توك”.

الحلول الممكنة

يتفق الكثير من الخبراء والمواطنين على ضرورة وجود خطة استراتيجية للتعامل مع هذه الظواهر. يقول الدكتور نبيل الجبالي: “يجب أن تكون هناك برامج تدريبية لتعزيز المهارات الحرفية، بالإضافة إلى تشجيع الشباب على الاستثمار في الحرف التقليدية”.

كما أوضح العديد من الحرفيين أن هناك حاجة لإنشاء منصات رقمية تعزز من قدرة الحرفيين على الوصول إلى الجمهور، مما يساعد في الحفاظ على المهن التقليدية.

مستقبل الحرف المصرية: هل ننجو من تأثير التوك توك والتيك توك؟

إن ما نشهده في مصر اليوم من تأثيرات التوك توك والتيك توك هو تحدٍ حقيقي يواجه المجتمع. بينما يسعى البعض لتحقيق دخل سهل وسريع، يجب أن نفكر في القيم الثقافية والاقتصادية التي تضررت نتيجة لذلك.

وقد تكون الخطوة الأولى نحو التغيير هي الاعتراف بالمشكلة والبحث عن حلول مبتكرة للحفاظ على تراثنا الحرفي، وتجديد الاهتمام بالمهن التقليدية.

يتطلب هذا جهداً جماعياً من الحكومة والمجتمع المدني والشباب أنفسهم، لضمان أن لا تندثر هذه المهارات الثمينة تحت وطأة الأسماء والرموز الجديدة.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى