في مقالي السابق ، وضعت خمسة احتمالات لمصير قائد المقاومة الاسلامية في لبنان، كان أربعة من هذه الاحتمالات يرجح استشهاده، وخامس يستبعده، فكان الترجيح وبنسبة 80% لاستشهادة ، وقد كان، وهو ما يدخلنا في مرحلة انتقالية.
وتشكل المراحل الانتقالية في الظواهر السياسية بشكل خاص نقطة تحول تُلقي بظلالها على المستقبل القريب أولا والبعيد ثانيا،
ومن أكبر الاخطاء في مثل هذه المرحلة هو تضييق مجال التفكير وحصره في حدود اللحظة الراهنة-أي غياب القائد- ،
واود ان اشير الى ان ظاهرة اغتيال قادة الثورات وحركات التحرر هي ظاهرة أصابت اغلب هذه الثورات وحركات التحرر، لكن نسبة التحول الاستراتيجي في هذه الثورات التي عرفت غيابا لقادتها لا يتجاوز 7% طبقا للدراسات التي تعاملت مع هذا الموضوع ويطول سردها.
ومن الضروري ان نتعود التفكير بعيدا عن ” الزعيم الملهم” دون الانتقاص من حق هذا الزعيم في الاحترام والتقدير، فالثورات ليست تعبيرا عن نزق فردي لحظي وعابر،
وليست اسيرة لكاريزما شخصية وجدت فضاءً يتغذى عليها ذلك السحر الشخصي او الجاذبية ،
بل هي تمرد جمعي على احساس بالظلم ، وبالتالي فان دور القائد هو في تنظيم التعبير عن هذا الاحساس وتحويله لطاقة ايجابية فاعله من ناحية وإدارة الصراع مع الخصم على اساس انتزاع الحق ورفع الظلم من ناحية ثانية.
لقد نجح الخصم الاسرائيلي لحركة التحرر العربي في تسجيل نقاط لصالحه في الآونة الاخيرة، لكنه ايضا دفع وما زال يدفع ثمنا باهظا لم يالفه من قبل ،
ولعل ابرز نجاحاته هي التي حققها في مرمى المقاومة الاسلامية اللبنانية وبخاصة في مجال اصطياد قادتها وآخرهم الامين العام لحزب الله.
ان الشعور باي خوار نتيجة ضربات الخصم هو مكافأة للعدو على أفعاله، وهو ما يستوجب ان لا نبقى اسيري ثقل اللحظة الراهنة بل لا بد من تجاوزها ، وهو ما يستوجب :
أ- تقييم وتحليل اسباب نجاح الخصم بكل موضوعية.
ب- الاسراع في احلال قيادة جديدة لمنع اي شلل ولو مؤقت في عمل الحركة او الحزب او الثورة
ت- وضع الرؤية الاستراتيجية للحركة او الحزب موضع الدراسة وتحليل مستوى العقلانية في اهدافها قياسا للامكانيات،شريطة فهم الامكانيات بانها القدرات المادية والمعنوية وفن إدارة هذه القدرات.
ذلك يستدعي من محور المقاومة أن يتجاوز اللحظة الراهنة بكل مرارتها، وأن يستعيد مؤسساته ونشاطاته ومقاومته بسرعة لكي يتواضع العدو في تقييم انجازاته ولو لاحقا ، وتستعيد المقاومة حالتها المعنوية التي سادت مرحلة ما قبل الأزمة الراهنة.
من جانب آخر، من الضروري تجنب فسح المجال لأدبيات ” التشفي المرضي” وتناقلها بخاصة من جمهور المقاومة، فمعارضة المقاومة قد تكون نتيجة وجهة نظر مبنية على رؤيا فكرية، او قد تكون نتيجة الجهل بمعناه الحرفي ، او قد تكون نتيجة تخطيط الخصوم لتحطيم الروح العامة لجمهور المقاومة،
وارى ان الحالة الأولى تستحق التعامل النزيه معها، بينما الثانية لا جدوى منها لأني ما ناقشت جاهلا إلا غلبني كما قيل في تراثنا، اما الثالثة وهي الاكثر خطورة،
ويديرها خبراء من علماء النفس والاجتماع والسياسة والاعلام والاستخبارات…الخ، ولها هدفان هما:
أ- اقناع جماهير الثورة بعدم جدوى المقاومة نظرا للفارق في موازين القوى ( وهو ما عرضه كي فيليبس في دراسته عن قادة الثورات خلال الفترة من 1640 الى 1978)،
ثم يصل لنتيجة وهي انه رغم جهد المستعمر في هذا الجانب فإن 89% من ثورات التحرر نجحت في الوصول لغاياتها رغم موازين القوى.
ذلك يستوجب من جمهور المقاومة مساندة خطة استئناف العمل التحرري ،وتعزيز ثقافتها المقاومة بعيدا عن التسلل الثقافي في عقول الجماهير.
ب- التسميم السياسي( Intoxication ) والذي عرفه الراحل الدكتور حامد ربيع بأنه ” إعادة تشكيل المنظومة القيمية للمجتمع” من خلال زرع الشك في جدوى اهدافك وجدوى أدواتك ثم غوايتك لتبني البديل.
ان تأثير غياب القائد لا يجوز له ان يتجاوز المشاعر الانسانية دون ان يمتد للفكر والاهداف والادوات ،
وبدلا من الافكار البديلة التي سيروجها الخصم لا بد من التأكيد على الوفاء للتضحيات وبأن الثورات هي أسمى اخلاقيات الوجود لانها تسعى لمواجهة كل شكل من اشكال القهر والاستبداد والاستعمار والاستيطان القسري.
ولن اذهب في التاريخ غير العربي الاسلامي رغم انه يعزز ما اود استنتاجه، الم يقتل عمر بن الخطاب، لكن الحضارة لم يتوقف تدفقها، وقتل بعده عثمان بن عفان ،
وتواصلت الحركة، وقتل علي بين ابي طالب ولم تنكفئ الحركة…وفي معركة مؤتة قتل القائد الاول “زيد” وقتل الثاني “جعفر” وقتل الثالث”عبدالله “…لكن الانكفاء الاستراتيجي لم يقع بل وقع انكفاء تكتيكي عابر قاده بن الوليد ثم أعاد دورة الانتصارات من جديد..
خلاصة الامر ، لا بد من نشر ثقافة الحق باستعادة الحقوق ، والثقة في الذات الجمعية وتوظيف رمزية القائد لشحن هذه الثقة ، ومن لم يمت بالسيف مات بغيره..