زيت السم: فساد مميت يُهدد صحة المصريين في صمت
في عالمٍ مليء بالتحديات، تبرز ظاهرة مُقلقة تفشت في المجتمع المصري كالنار في الهشيم: إعادة تدوير الزيت المستعمل وبيعه كزيتٍ جديد.
وبغض النظر عن الآثار الصحية الجسيمة الناتجة عن هذا الفساد، يبدو أن عواقبه تمتد لتشمل الاقتصاد والمجتمع ككل.
موقع “أخبار الغد” يستعرض في هذا التحقيق المثير آراء المواطنين والمختصين حول هذه الممارسات، ونسلط الضوء على المخاطر التي تهدد صحة المواطنين.
بداية الكارثة: الزيت المستعمل
“كنت دايمًا بسمع عن الناس اللي بتشتري الزيت المستعمل، لكن ما كنتش عارف هم بيعملوا إيه بيه”، هكذا بدأ حديثه محمد صبري، أحد سكان منطقة المعادي، عندما سألناه عن تجربته مع هذا الموضوع.
وباستغراب، أضاف: “لما عرفت إنهم بيشتروا الزيت بـ 30 و35 جنيه ويبيعوه للمطاعم بـ 70 و100 جنيه، صُدمت!”
تلك الكلمات تكشف النقاب عن واحدة من أخطر العمليات التجارية التي يتم من خلالها إعادة تدوير الزيت المستعمل بشكل غير قانوني، وبيعه كمادة جديدة. فكيف يحدث ذلك؟ وما هي الآثار المترتبة على صحة المستهلكين؟
آلية إعادة التدوير المريبة
كما أشار أحد العاملين في هذه الصناعة، والذي فضل عدم ذكر اسمه، “كل 20 كيلو زيت، بيتم خلطهم بكيلو نشاء وكيلو مياه باردة.
ويتم تسخين المزيج على نار هادئة، ثم يتم تصفية الزيت بعد إضافة النشاء”. وعلى الرغم من أن الطريقة تبدو بسيطة، إلا أنها تنطوي على مخاطر صحية كبيرة.
يقول الخبير الغذائي، الدكتور أحمد سالم، “هذه الطريقة ليست آمنة، فالنشاء لا يستطيع إزالة جميع الملوثات أو المواد الضارة الموجودة في الزيت.
وبالتالي، يمكن أن يؤدي تناول هذا الزيت المُعاد تدويره إلى مشاكل صحية خطيرة مثل التسمم الغذائي، وأمراض القلب، واضطرابات هضمية”.
المواطنين: ضحية الفقر
يعبر كثير من المواطنين عن استيائهم من ارتفاع أسعار الزيوت الصحية، ما يدفعهم إلى البحث عن بدائل رخيصة. “أنا غلبان، ومش قادر أشتري زيت عافية أو سلايت.
وأضطر أشتري من السايب”، تقول سمر عبدالرحمن، ربة منزل تعيش في إحدى المناطق الشعبية. “بصراحة، مفيش عندي خيار تاني.”
تُظهر تلك الشهادات كيف أن الفقر يساهم في تفشي هذه الظواهر السلبية. وبالإضافة إلى سمر، يتحدث الكثيرون عن أن مطاعم الفول والطعمية تستخدم زيتًا مجهول المصدر، ومعبأ في جراكن قذرة.
ويقول علي إبراهيم، صاحب مطعم شعبي في الجيزة: “مضطر أشتري الزيت بالسعر ده. لو فكرت أشتري زيت أصلي، هيتكلفني كتير. وفي النهاية، العميل مش هيعرف الفرق”.
الأضرار الصحية: ماذا يقول الأطباء؟
يشدد الأطباء على أن تناول الزيت المُعاد تدويره يمكن أن يسبب مشاكل صحية جسيمة. الدكتور محمود العربي، أخصائي التغذية، يوضح: “الزيوت المستخدمة في الطهي مرات عديدة تتأكسد، مما يؤدي إلى تكوين مركبات ضارة تُسبب أمراض القلب والأوعية الدموية. وعلى المدى الطويل، يمكن أن تؤدي إلى السرطان”.
الواقع أن التسمم بالزيوت المعاد تدويرها ليس مجرد نظرية. حالات عديدة سجلت في المستشفيات عن أشخاص يعانون من آلام حادة في المعدة وتسمم غذائي، مما يثير القلق حول سلامة المنتجات التي تُقدم في المطاعم.
المنظمات والرقابة: غياب الحلول
وبالرغم من كل هذه المخاطر، يبدو أن هناك غيابًا للرقابة الحكومية على هذه الأنشطة. يُشير العديد من الخبراء إلى أن القوانين الحالية لا تكفي لمكافحة هذه الظواهر.
“يجب أن تُسن قوانين أكثر صرامة تُجرم إعادة تدوير الزيوت المستعملة، وتفرض عقوبات على المخالفين”، يقول المحامي هشام سعيد.
وفي نفس السياق، تؤكد الناشطة في مجال حقوق المستهلك، ليلى علي، “يجب على المجتمع المدني أن يلعب دورًا أكبر في توعية الناس حول مخاطر استهلاك هذه المنتجات. الناس بحاجة إلى معرفة ما يأكلونه”.
الحلول البديلة: كيف نحمي أنفسنا؟
يبدو أن الحل يكمن في التوعية والتثقيف. يجب على المجتمع التعرف على أهمية اختيار الزيوت الصحية، حتى وإن كانت أغلى ثمنًا. كما يمكن للحكومة أن تعمل على دعم المزارعين المحليين، مما قد يؤدي إلى خفض الأسعار.
تقول سمر عبدالرحمن: “لو كانت الزيوت الصحية متاحة لي بأسعار معقولة، لما كنت لأفكر في شراء زيت مستعمل. أريد أن أضمن صحة عائلتي”.
حان الوقت للتغيير
في ظل هذا الفساد المُستتر، يجب على المجتمع أن يتكاتف لمواجهة هذه الظاهرة الخطيرة. يجب أن يُدرك كل فرد دوره في حماية صحته وصحة عائلته، وأن يختار بعناية ما يستهلكه.
الأمر لا يتعلق فقط بالزيت، بل بصحتنا ككل. لذا، يجب أن يكون لدينا صوت قوي للتعبير عن رفضنا لهذه الممارسات، ولنقف معًا ضد هذا الفساد الذي يهدد حياتنا.