تلاعب في توزيع مياه الري بمحافظة سوهاج: فساد يهدد الزراعة
في ظل الأزمات المتزايدة التي يشهدها قطاع الزراعة في مصر، يبرز موضوع توزيع مياه الري كمحور أساسي يتطلب التفاعل الجاد والتحقيق في أبعاده.
وفي هذا السياق موقع “أخبار الغد” يسلط الضوء على الفساد المستشري في توزيع مياه الري بمحافظة سوهاج، حيث تتفاقم معاناة المزارعين نتيجة التلاعب الذي يمارسه بعض المسؤولين، مما يهدد مستقبل الزراعة والأمن الغذائي في البلاد.
الفساد في توزيع مياه الري
في جولة ميدانية شملت العديد من القرى والمناطق الزراعية بمحافظة سوهاج، لاحظنا تباينًا كبيرًا في مستويات توزيع المياه.
ففي بعض القرى، تتدفق المياه بشكل منتظم وكافي، بينما تعاني قرى أخرى من شح شديد في المياه. هذا التباين لم يكن وليد صدفة، بل نتيجة مباشرة لسياسات غير عادلة وممارسات فاسدة.
الشهادات من المزارعين
تحدثنا مع مجموعة من المزارعين التي تعاني من نقص حاد في مياه الري. قال المزارع عبد الرحمن حسن (42 عامًا): “لقد فقدنا محاصيلنا بسبب الفساد. المياه تصل إلى القرى القريبة بينما نحن هنا ننتظر ساعات طويلة دون أن نرى قطرة واحدة.”
وأضاف: “لا نعرف لماذا يتم تهميشنا. يبدو أن هناك اتفاقات سرية بين بعض المسؤولين والمزارعين المفضلين لديهم.”
من جهتها، أكدت فاطمة عبد الله (35 عامًا) وهي مزارعة من نفس القرية: “الأمر لم يعد يحتمل. نحن نعمل بجد لنزرع، ولكن في النهاية نكتشف أن المياه تذهب إلى من يدفع أكثر. هذا ليس عدلاً.”
رأي المختصين
للحصول على وجهة نظر أكثر عمقًا، استضفنا الخبير الزراعي الدكتور طارق محمود، الذي علق على الوضع قائلاً: “توزيع مياه الري في مصر يعاني من مشاكل هيكلية،
ولكن ما يحدث في سوهاج هو نموذج صارخ للفساد. المسؤولون عن توزيع المياه يتجاهلون المناطق الأكثر احتياجًا، مما يؤدي إلى تأثيرات سلبية على المحاصيل والاقتصاد المحلي.”
كما أضافت الدكتورة سارة الزيني، أستاذة جامعية في الاقتصاد الزراعي: “الأمن الغذائي في مصر يتعرض للخطر بسبب سوء إدارة الموارد. إذا استمر هذا الوضع، سنواجه أزمة غذائية حقيقية في السنوات المقبلة.”
الغضب الشعبي والمطالبات بالتغيير
في محاولة لفهم مدى تأثير هذه الأزمة على المجتمع المحلي، قمنا بزيارة الأسواق في سوهاج، حيث عبر التجار والمزارعون عن غضبهم.
ويقول أحمد كمال (45 عامًا)، تاجر خضروات: “المزارع الذي لا يحصل على المياه لن يتمكن من زراعة محاصيله، مما يؤثر بشكل مباشر على الأسعار. نحن جميعًا نعيش في نفس القارب.”
وأشار العديد من المزارعين إلى أنهم يخططون لتنظيم وقفات احتجاجية أمام المديرية الزراعية في سوهاج للمطالبة بالعدالة في توزيع مياه الري. وتقول سعاد محمد (50 عامًا)، مزارعة وناشطة حقوقية: “لن نصمت بعد الآن. نحن بحاجة إلى تغيير حقيقي.”
التأثيرات البيئية والصحية
تحدثنا أيضًا مع الباحث البيئي محمد جلال، الذي حذر من الآثار البيئية الناتجة عن الفساد في توزيع المياه. قال: “الإفراط في سحب المياه من بعض المصادر يؤدي إلى تدهور الأراضي الزراعية، مما يسبب تآكل التربة وزيادة الملوحة. وهذا سيؤدي في النهاية إلى انخفاض جودة المحاصيل.”
كما أشار إلى أن انقطاع المياه يسبب أيضًا مشكلات صحية، حيث تلجأ بعض الأسر لاستخدام مياه غير نظيفة للشرب والري، مما يزيد من مخاطر الأمراض.
دور الإعلام والمجتمع المدني
في ظل هذه الظروف، يلعب الإعلام دورًا حيويًا في كشف الفساد وتحفيز المجتمع على التفاعل. يقول الناشط الحقوقي محمود حمدي: “الأمر لا يقتصر على نشر الأخبار، بل يجب علينا توعية المجتمع بمخاطر الفساد في قطاع الزراعة وضرورة المطالبة بالشفافية.”
وإلى جانب الإعلام، يلعب المجتمع المدني دورًا متزايد الأهمية في الضغط على الحكومة لتغيير السياسات. تؤكد سحر إبراهيم، ناشطة حقوقية، على أن “التغيير الحقيقي يبدأ من قاعدة المجتمع. نحن بحاجة إلى تشكيل لجان لمراقبة توزيع المياه ومحاسبة المسؤولين.”
خطوات نحو الحل
إذًا، ما هي الخطوات التي يمكن اتخاذها لحل هذه المشكلة المعقدة؟ تبرز عدة مقترحات تحسين نظام إدارة المياه: يجب أن تتبنى الحكومة نظامًا شفافًا يضمن توزيع المياه بشكل عادل بين المزارعين، مع وضع معايير واضحة للاحتياج.
وتشجيع الزراعة المستدامة: يجب على المزارعين اعتماد أساليب ري حديثة مثل الري بالتنقيط لتوفير المياه وتحسين كفاءة استخدامها. وتعزيز دور المجتمع المدني: يجب أن تتعاون الجمعيات الأهلية مع الحكومة لتوعية المزارعين بحقوقهم وتشجيعهم على المطالبة بالعدالة.
وإطلاق حملات توعوية: يجب أن تعمل وسائل الإعلام على نشر الوعي حول أهمية توزيع المياه بشكل عادل وتأثير الفساد على الأمن الغذائي. وتحقيق الشفافية: من الضروري أن يتم إنشاء آليات رقابية لمتابعة توزيع المياه ومحاسبة المسؤولين الفاسدين.
وما يحدث في محافظة سوهاج ليس مجرد قضية توزيع مياه، بل هو تجسيد لواقع مأساوي يعيشه المزارعون في جميع أنحاء مصر. الفساد الذي يضرب جذور هذا القطاع الحيوي يهدد الأمن الغذائي ويقوض جهود التنمية.
وإن التحرك الفوري والمشترك من جميع الأطراف المعنية هو الحل الوحيد لإنقاذ مستقبل الزراعة في البلاد. إن النضال من أجل العدالة في توزيع المياه هو نضال من أجل الحق في الحياة والعيش بكرامة.