تقارير

قنا: فساد التعليم بين بيع الشهادات وترقيات المحسوبية

في قلب محافظة قنا، حيث تنمو أحلام الشباب وسط حقول القمح والذرة، يكشف تحقيقنا عن ظاهرة مثيرة للقلق تتعلق بقطاع التعليم.

ولا يقتصر الأمر على تدني مستوى التعليم، بل يمتد ليشمل قضايا بيع الشهادات الجامعية وترقيات غير مستحقة للمعلمين.

وفي هذا السياق موقع “أخبار الغد“، يستعرض آراء المواطنين والمختصين والمهتمين، ويكشف النقاب عن الفساد الذي ينخر في جسد النظام التعليمي، مما يجعلنا نتساءل: إلى أين تتجه أحلام الأجيال القادمة؟

المشهد الحالي: واقع مؤلم

بدأ موقع “أخبار الغد” رحلته في قنا بزيارة بعض المدارس والمعاهد التعليمية، حيث واجهنا ردود فعل متباينة من المعلمين والطلاب وأولياء الأمور.

“لا أستطيع أن أصدق أن الأمور وصلت إلى هذه الدرجة من الفساد”، يقول أحمد يوسف، معلم في مدرسة ثانوية، معبراً عن استيائه

“الوساطة والمحسوبية أصبحا جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، والمناصب تُمنح لمن لا يستحق، في حين أن المعلمين المجتهدين لا يحصلون على حقوقهم”.

من جانبه، أشار خالد جلال، طالب جامعي، إلى ظاهرة بيع الشهادات بقوله: “هناك الكثير من الطلاب الذين يحصلون على شهاداتهم دون اجتياز الامتحانات. ومن الممكن أن تجد طالبًا لا يعرف شيئًا عن تخصصه، لكنه يحمل شهادة بكاليوس”.

الشهادات المباعة: الحقيقة الصادمة

كشفنا النقاب عن عدد من الأشخاص الذين يمارسون هذا النوع من الفساد، حيث حصلنا على معلومات موثوقة من مصادر مختلفة.

وتقول نجلاء عبد الرحمن، موظفة في إحدى الجامعات، “هناك مكاتب تدير هذه العمليات بصورة سرية. الطلاب يدفعون مبالغ ضخمة مقابل شهادات تُصنف على أنها رسمية، لكن في الحقيقة هي مجرد ورق لا تعكس أي معرفة”.

وفي استبيان أجراه موقع “أخبار الغد” مع مجموعة من الطلاب، أفاد أكثر من 60% منهم بأنهم يعرفون شخصًا حصل على شهادة دون أن يتعلم شيئًا. “إنها قضية تتطلب تدخلًا حاسمًا”، يقول حسين عادل، أحد الطلاب.

ترقيات غير مستحقة: الفساد يتغلغل في التعليم

المشكلة لا تقتصر على الشهادات فقط، بل تمتد أيضًا إلى الترقيات في صفوف المعلمين. يشير الدكتور محمود كمال، خبير في التربية والتعليم، إلى أن “المسؤولين غالبًا ما يمنحون الترقيات بناءً على العلاقات الشخصية وليس على الكفاءة. هذا ينعكس سلبًا على جودة التعليم ويقود إلى إحباط المعلمين المجتهدين”.

وفي حديثه، أوضح الدكتور كمال أن “هناك حاجة ملحة لتطوير نظام تقييم موضوعي يضمن أن تكون الترقيات مستندة إلى الأداء الفعلي للمعلم، وليس على المحسوبية”.

آراء المواطنين: حالة من الاستياء

توجهنا إلى الشارع لنسمع آراء المواطنين حول هذا الموضوع. “أطفالنا يستحقون تعليمًا جيدًا، لكن الفساد يسرق منهم هذا الحق”، تقول فاطمة إبراهيم، أم لثلاثة أطفال. “إذا استمرت الأمور على هذا النحو، فإن مستقبلهم سيكون مظلمًا”.

أما يوسف كامل، وهو ولي أمر لطالب في المرحلة الإعدادية، فقد عبر عن استيائه بالقول: “لقد دفعت مبالغ كبيرة من المال مقابل التعليم، لكن أرى أن الأمور تتجه نحو الانحدار. لا يمكن أن نبقى صامتين بعد الآن”.

التحقيقات الرسمية: هل من أمل؟

في هذا السياق، بدأ بعض النشطاء الحقوقيين في قنا بالتحرك نحو تقديم شكاوى رسمية ضد هذه الممارسات.

ويقول أحمد النمس، ناشط في المجتمع المدني: “نعمل على رصد الحالات وتحويلها إلى الجهات المعنية. نريد أن نرى إجراءات حقيقية ضد هؤلاء الفاسدين”.

لكن، يبقى التساؤل: هل ستحرك هذه التحركات المياه الراكدة؟ أم ستظل كما هي، مجرد صرخات في وادٍ سحيق؟

حلول مقترحة: من يحتاج إلى الفعل؟

للخروج من هذا النفق المظلم، هناك حاجة ملحة لوضع استراتيجيات فعالة. يرى الدكتور محمود كمال أن “من الضروري أن يتم تأسيس نظام رقابي حقيقي على التعليم، يشمل إشرافًا من جهات مستقلة تضمن عدم وقوع الفساد”.

كما يشدد على أهمية الوعي المجتمعي، حيث يقول: “على الآباء والطلاب أن يكونوا أكثر وعيًا بحقوقهم، وأن يطالبوا بتحسين جودة التعليم”.

هل من مستقبل أفضل؟

بينما نختتم تحقيقنا، يتبادر إلى أذهاننا سؤالٌ جوهري: هل سيستمر هذا الفساد في قطاع التعليم؟ أم أن هناك أملًا في التغيير؟

في قنا، يتزايد الوعي حول قضايا الفساد، وهناك دعوات مستمرة للمحاسبة والتغيير. ومع ذلك، يبقى الأمر مرهونًا بإرادة المجتمع وإرادة المسؤولين في اتخاذ خطوات جادة نحو إصلاح النظام التعليمي.

إن صرخة المواطنين في قنا ضد الفساد في التعليم ليست مجرد صرخات، بل هي دعوة للحركة، وأمل في مستقبل أفضل للأجيال القادمة.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى