الوفد ومواجهة الفقر والبطالة: الخطة المهملة والأزمة المستمرة
في ظل الأزمات الاقتصادية المتفاقمة التي تعصف بمصر، وتزايد معدلات الفقر والبطالة بشكل لا يطاق، يطرح السؤال المحوري نفسه: أين خطة حزب الوفد التي اقترحها اللواء الدكتور محمد الحسيني للقضاء على الفقر والبطالة؟
تلك الخطة التي تم الترويج لها في عام 2013 وكأنها الحل السحري لإنقاذ البلاد، لم تكن سوى وعود زائفة سرعان ما اختفت خلف أبواب الحزب المغلقة. وسنوات مرت ولم نرَ أي أثر يُذكر لهذه الخطة التي تم التطبيل لها إعلاميًا، فهل كانت مجرد شعار دعائي لا أكثر؟
اللواء الحسيني، أمين صندوق حزب الوفد الأسبق ووزير العمل في الحكومة الموازية للحزب، وعد المصريين بخطة طموحة لإنقاذهم من الفقر، معلنًا إياها عبر جريدة الوفد وكأنها بداية جديدة.
ولكن هل نفذ الحزب شيئًا من تلك الوعود؟ أم أن كل ما سمعناه كان مجرد تنظير سياسي لا يلامس الواقع؟ الشعب المصري لا ينتظر المزيد من الشعارات الفارغة؛ يحتاج إلى أفعال حقيقية، إلى قيادات تعرف معنى الالتزام بما تعد به. أين الوفد اليوم من مشكلات الناس التي تفاقمت؟
اللواء الحسيني .. المخلص الذي لم يجد من يستمع إليه
اللواء محمد الحسيني، الذي شغل منصب أمين صندوق حزب الوفد الأسبق ووزير العمل في الحكومة الموازية، قدم خطة وفدية طموحة للقضاء على الفقر والبطالة في مصر.
وفي عام 2013، نشر الحسيني الخطة عبر صفحات جريدة الوفد، مؤكداً أنها تقدم حلاً شاملاً للفئات الأكثر تضرراً في المجتمع.
كانت الخطة تتضمن حزمة من الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية التي تستهدف تحسين أوضاع الطبقات الفقيرة والمهمشة في المجتمع، من خلال إقامة نظام تأميني جديد وقادر على التمويل الذاتي، يتم فصله تماماً عن الموازنة العامة للدولة.
اللواء الحسيني ركز في خطته على تطوير نظام التأمينات الاجتماعية، مؤكدًا على ضرورة فصل النظام التأميني عن الدولة لتحقيق التمويل الذاتي ومنع تسرب الأموال العامة.
كما أشار إلى أهمية إحياء الدور الرقابي للمجلس القومي للأجور، ورفع الحد الأدنى للأجور بما يتناسب مع معدلات التضخم المتزايدة.
خطة شاملة.. لكن دون أي تطبيق
الخطة التي أعلنها اللواء الحسيني لم تكن مجرد كلمات عابرة، بل كانت استراتيجية متكاملة للقضاء على الفقر والبطالة في مصر بحلول عام 2018.
وتضمنت الخطة توصيات شديدة الأهمية، منها تحفيز القطاع الخاص على التوسع في الاستثمار لخلق فرص عمل جديدة، مراجعة الحد الأدنى للأجور باستمرار بما يتناسب مع غلاء المعيشة، وتوجيه الدعم المالي للقطاعات المستحقة فعلياً.
كذلك تضمنت الخطة حلولاً عملية للفئات الأكثر ضعفاً في المجتمع، مثل توفير سكن بديل للمتضررين من إزالة المناطق العشوائية، وتقديم إعانات مالية للأسر التي لا يوجد بها عائل، بالإضافة إلى اقتراح إنشاء شركات مساهمة للشباب ودعمهم مالياً وتكنولوجياً لتمكينهم من بدء مشاريعهم الخاصة.
لكن أين كل هذا على أرض الواقع؟ أين استجابة حزب الوفد لهذه المبادرات؟ الحقيقة المرة هي أن كل تلك التوصيات والإصلاحات بقيت حبيسة الورق، ولم يجد المواطن البسيط، الذي يعيش تحت خط الفقر، شيئاً من تلك الوعود يتحقق في حياته اليومية.
تهكم مرير على أداء الحزب
على الرغم من تقديم اللواء الحسيني لهذه الخطة الطموحة، فإن حزب الوفد لم يظهر أي جدية في تبني هذه الأفكار.
وبدلاً من أن يستغل الحزب هذه الخطة كأداة سياسية قوية لتحقيق تغيير اجتماعي حقيقي، تركها تتلاشى في ظل الإهمال.
ولم يسوق الحزب الخطة للحكومة المصرية، ولم يعمل على تنفيذ أي من بنودها. ما يظهر بوضوح هو أن قيادة الحزب فشلت في تحقيق أي تغيير يذكر على أرض الواقع، بل ربما تواطأت مع حالة الجمود السياسي والاقتصادي التي تعيشها البلاد.
هل كان الحزب يأمل أن تبادر الحكومة المصرية بتنفيذ الخطة؟ ربما، لكن هذا الأمل لم يكن في محله. الحكومة المصرية كانت مشغولة بإصلاحات شكلية لا تمس جوهر الأزمة الاقتصادية، وتركزت جهودها على سياسات غير فعالة لم تؤد إلى تحسين أوضاع الفقراء.
وحتى عندما حاولت الحكومة تقديم دعم للفئات الأكثر تضرراً، لم يكن ذلك على مستوى التحدي المطلوب، وظلت مشكلة الفقر والبطالة تراوح مكانها.
الواقع القاسي .. 13 مليون مصري تحت خط الفقر عام 2013
اللواء الحسيني أشار في خطته إلى الأرقام الصادمة عن الفقر في مصر، حيث أكد أن هناك 13 مليون مصري يعيشون تحت خط الفقر.
ورغم هذه الأرقام المرعبة، لم يتم اتخاذ أي خطوة جادة من قبل الحزب أو الحكومة لمعالجة هذه الكارثة. بدلاً من ذلك، ازداد الوضع سوءاً، وارتفعت معدلات الفقر والتضخم بشكل جنوني.
تحدث الحسيني عن ضرورة تحديد حد أدنى للأجور يتماشى مع معدلات التضخم المرتفعة، لكنه في الوقت نفسه شدد على ضرورة مراجعة هذا الحد الأدنى بانتظام كل ثلاث سنوات على الأقل.
إلا أن الحكومة لم تستمع لتلك الدعوات، وتجاهلتها كلياً، ولم تقدم أي حلول فعالة لضمان حياة كريمة للمواطنين.
نظام التأمين الذاتي: مجرد حلم بعيد المنال
أحد أبرز عناصر الخطة الوفدية التي أطلقها الحسيني كان النظام التأميني الممول ذاتياً، وهو ما بدا في وقته فكرة جريئة لإبعاد التأمينات عن الأعباء الثقيلة التي تثقل كاهل الموازنة العامة للدولة.
ولكن ماذا تحقق؟ الحقيقة المؤلمة هي أن هذا النظام لم ير النور. لم تكن هناك أي محاولات جادة لتطبيق هذا الاقتراح أو حتى تقديم دراسات جدوى حوله.
وتحول النظام التأميني الذي اقترحه الحسيني إلى مجرد شعار سياسي فارغ. وبدلاً من أن يخفف الأعباء على الدولة، ظل الوضع كما هو، بل ربما زادت المشكلات تعقيداً مع تزايد الأزمات الاقتصادية.
نظام التأمينات: حلم لم يتحقق
ومن أبرز ما تضمنته خطة اللواء الحسيني هو تطوير نظام التأمينات الاجتماعية ليتحول إلى نظام تمويلي ذاتي، بعيداً عن الاعتماد على الموازنة العامة للدولة.
كما شدد على ضرورة تحسين ظروف العمل للعاملين في القطاعين العام والخاص، من خلال إعادة النظر في قوانين التعيين وإنهاء الخدمة.
لكن، كالعادة، لم يتم فعل أي شيء لتحسين هذا النظام. ما زال المواطنون يعانون من نظام تأمينات ضعيف وغير قادر على توفير حماية مالية كافية لهم في حالات الطوارئ أو عند التقاعد.
وتستمر الحكومة في تجاهل مطالبات تحسين هذا النظام، تاركةً ملايين المصريين يعيشون تحت رحمة ظروف اقتصادية قاسية.
رفع الحد الأدنى للأجور: الوعد الذي تلاشى في الهواء
من بين أهم الوعود التي وردت في خطة الحسيني، كان مراجعة الحد الأدنى للأجور بشكل دوري وربط الأجور بخط الفقر العالمي.
حينها، كان الحديث يدور عن دولار واحد يومياً كحد أدنى، وهو ما كان يُنظر إليه كخطوة جريئة، ولكن هل تحقق هذا الوعد؟ بالطبع لا.
وظلت مستويات الأجور في مصر دون الحد الذي يضمن حياة كريمة للعاملين في مختلف القطاعات. الخطة كانت تتحدث عن مراجعة دورية للأجور كل ثلاث سنوات، لكن هذه المراجعة لم تحدث أبداً.
بل ظل التضخم يلتهم قيمة الأجور الحقيقية، في ظل صمت تام من الجهات الحكومية وحزب الوفد نفسه، الذي لم يتخذ أي خطوات جادة لتفعيل هذا المقترح.
البطالة: فشل ذريع في خلق فرص العمل
تحدثت خطة الوفد عن تحفيز القطاع الخاص لتوفير فرص العمل وتوسيع الاستثمارات، لكن النتائج على أرض الواقع كانت صادمة.
بدلاً من توفير المزيد من فرص العمل، استمر الوضع على ما هو عليه، بل ربما ازداد سوءاً. القطاع الخاص لم يجد أي دعم أو تحفيز حقيقي للتوسع، بينما استمرت البطالة في الارتفاع بين الشباب.
وخطط الوفد كانت تتحدث عن إنشاء شركات مساهمة ودعم المشروعات الصغيرة، لكن هذه الأفكار لم تتحول إلى واقع. ظلت الأحلام عالقة في الأذهان، والشباب عالقين في البطالة والحرمان.
الضمان الاجتماعي: حياة كريمة لم تتحقق أبداً
أحد البنود الهامة في الخطة كان توفير ضمان اجتماعي للفئات الأكثر احتياجاً، من خلال صرف إعانات مالية تعادل الحد الأدنى للأجور.
وهذا البند تحديداً كان يمثل الأمل للكثير من الأسر التي تعاني من الفقر المدقع، لكن ماذا حدث؟ لم يتم تطبيق هذا البند أبداً.
لا وجود لهذه الإعانات على أرض الواقع، واستمرت الأسر الفقيرة في معاناتها اليومية، دون أي تغيير يذكر. هذه الوعود التي كانت ستضمن “حياة كريمة” لأكثر الفئات احتياجاً، تبخرت تماماً مثل باقي وعود الخطة.
تحرير التنظيمات النقابية: حديث شائك دون تطبيق
أحد أكثر النقاط شجاعة في خطة الوفد كان دعوة الحسيني لتحرير التنظيمات النقابية من سيطرة الأجهزة الأمنية.
وهذه الدعوة كانت تبدو وكأنها تحدٍ صريح للنظام، لكن على الرغم من جديتها الظاهرة، لم يحدث أي تغيير. النقابات ظلت تحت سيطرة الأجهزة الأمنية كما كانت، بل ربما زادت القبضة عليها إحكاماً.
وحزب الوفد لم يتخذ أي خطوات عملية لتحرير هذه النقابات، ولم يقدم أي دعم للعمال في مواجهة الظروف القاسية التي يعيشونها. تظل هذه الدعوة مجرد حديث سياسي لا أثر له في الواقع.
الأجور والبدلات: تجاهل دائم لمعاناة العمال
تطرقت خطة الحسيني إلى ضرورة مراجعة الأجور والبدلات التي يحصل عليها العمال، خاصة تلك التي لم تتغير منذ سنوات طويلة.
ولكن هل حدثت هذه المراجعة؟ بالطبع لا. بقيت البدلات هزيلة وغير كافية لتحسين مستوى المعيشة. والأطباء على سبيل المثال، ما زالوا يتقاضون بدل عدوى زهيد لا يتناسب مع المخاطر التي يتعرضون لها يومياً. لم يتحرك أحد لتعديل هذا الوضع، وظلت الأمور كما هي، دون أي تحسن.
البطاقة الذكية: حل لم يصل إلى أرض الواقع
أحد الحلول التي قدمتها الخطة لتوجيه الدعم لمستحقيه كان استخدام البطاقة الذكية. هذه الفكرة، التي بدت وقتها كحل سحري لتقليل الهدر والفساد، لم تخرج من دائرة الحديث.
والدعم لا يزال يصل إلى غير مستحقيه، والفساد يلتهم الكثير من الموارد، بينما تبقى الفئات الأكثر احتياجاً محرومة من هذا الدعم. البطاقة الذكية، التي كانت ستغير طريقة توزيع الدعم، ظلت فكرة محبوسة في الأدراج دون أن ترى النور.
وعود بلا أفعال وخطة بلا تطبيق
الخطة الوفدية التي أعلن عنها اللواء محمد الحسيني كانت تحمل وعوداً كبيرة ومقترحات طموحة، لكنها لم تتحول أبداً إلى واقع ملموس.
لم يحدث أي تقدم في مواجهة الفقر أو البطالة، ولم يشعر المواطنون بأي تحسن في حياتهم. وبدلاً من أن تكون هذه الخطة نقطة انطلاق لتحسين الأوضاع الاقتصادية، تحولت إلى جزء من سلسلة الوعود الجوفاء التي لم تجد طريقها للتنفيذ.
الفشل المستمر والمستقبل المظلم
بعد مرور أكثر من عقد على طرح خطة اللواء الحسيني، يظل الفقر والبطالة أكبر الأزمات التي تواجه مصر. وحزب الوفد، الذي كان يمكن أن يقود هذه المعركة، اختار أن يترك الخطة تموت في مهدها، تاركاً المواطنين يواجهون مصيرهم.
هل سيتحرك الحزب في المستقبل لتبني أفكار جديدة أكثر جدية، أم سيظل متفرجاً على هذا الانهيار؟ يبدو أن الأمل بات ضئيلاً، ما لم يحدث تغيير جذري في العقلية القيادية داخل الحزب والحكومة على حد سواء
رسالة أخيرة: إلى متى تستمر الخيبات؟
ويظل السؤال مطروحاً: إلى متى تستمر هذه الوعود دون تنفيذ؟ الشعب المصري بحاجة إلى حلول حقيقية لمشكلاته الاقتصادية، وليس مجرد خطط وبرامج لا تتحول إلى أفعال.
وهل سيتحرك حزب الوفد لتحقيق ما وعد به؟ أم أن هذه الوعود ستظل مجرد أحاديث سياسية تتكرر في كل مناسبة، بينما يعاني المواطنون من نفس المشكلات؟