تعود العلاقات بين تركيا ومصر إلى العصور القديمة، حيث استقر الأتراك في مناطق مثل الأناضول وسوريا قبل وصولهم إلى مصر. بعد سقوط العباسيين، تعززت الروابط بشكل كبير خلال العصور المملوكية والعثمانية.
تبقى الروابط الاجتماعية والثقافية بين البلدين قوية، مثل وجود أصول تركية في مصر واستخدام كلمات تركية باللهجة المصرية. رغم أن الحرب العالمية الأولى فرقت بين الشعبين،
إلا أن كلا البلدين دعما بعضهما في معركة الاستقلال بين عامي 1919 و1922. فصلت معاهدة لوزان بين شعوب المنطقة، لكن التأثير العثماني في مصر استمر حتى عام 1952.
بعد ذلك، وُضعت خطط حالت دون تعزيز العلاقات بين البلدين، خصوصًا خلال فترة حكم أنور السادات، رغم تحول السياسة الخارجية لكلا البلدين نحو الولايات المتحدة. في الثمانينيات، عارضت تركيا ومصر الغزو الروسي لأفغانستان، بينما دعمت مصر صدام حسين في الحرب العراقية الإيرانية،
والتزمت تركيا بالحياد. خلال أزمة الكويت في التسعينيات، لعبت مصر وتركيا دورًا في إخراج العراق من الكويت. في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، رفضت الدولتان الغزو الأمريكي للعراق، ومع صعود حزب العدالة والتنمية في تركيا، تحسنت العلاقات مع مصر بشكل ملحوظ. بعد الربيع العربي وعودة مصر إلى النظام القديم تحت قيادة عبد الفتاح السيسي، تصاعدت التوترات بين تركيا ومصر،
مما أدى إلى قطيعة طويلة بين الجانبين. خلال السنوات الإحدى عشرة الماضية، تغيرت التوازنات العالمية والإقليمية بشكل ملحوظ. من بين هذه التغيرات، نذكر انتهاء الحصار على قطر،
وفشل انقلاب خليفة حفتر في ليبيا، وظهور تعقيدات جديدة في اليمن، بالإضافة إلى جائحة كوفيد-19، وانسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، والحرب في أوكرانيا، والحرب الأهلية في السودان، وأخيرًا الهجوم الإسرائيلي على غزة. كل هذه الأحداث أثرت بشكل كبير على العلاقات الثنائية بين مصر وتركيا.
ومع استمرار القضايا المعقدة مثل التوترات في شرق البحر الأبيض المتوسط والأزمة في ليبيا، أصبح الحوار بين البلدين أكثر إلحاحًا من الصراع.
من أبرز القضايا التي تعزز التعاون بين تركيا ومصر هي مسألة تقسيم المناطق الاقتصادية الخالصة في شرق البحر الأبيض المتوسط. تتوافق رؤية تركيا بشأن تقسيم هذه المناطق مع مصالح مصر وليبيا،
رغم أن الاتفاق بين تركيا والحكومة الليبية الشرعية كان خطوة غير مرغوب فيها بالنسبة لمصر، التي دعمت سياسيًا قائد الانقلاب خليفة حفتر. ومع ذلك، لم تشهد العلاقات بين البلدين توترًا شديدًا. في الواقع، يعد استقرار وتنمية ليبيا مهمًا لكلا البلدين.
بالرغم من محاولات بعض الدول لتشجيع مصر على دعم حفتر، إلا أن إدارة السيسي اختارت عدم الانخراط في هذا الصراع.
في السنوات الأخيرة، ظهرت ثلاثة تطورات رئيسية تثير قلق مصر. أولاً، سد النهضة الذي بنته إثيوبيا على نهر النيل وبدأت في ملئه، مما يشكل تهديدًا لمصادر المياه الحيوية لمصر. ثانيًا، الحرب الأهلية السودانية تسببت في نزوح ملايين السودانيين إلى داخل البلاد،
مما أثر أيضًا على مصر التي استقبلت عددًا كبيرًا من هؤلاء اللاجئين. ثالثًا، حرب غزة التي زادت من التوترات في المنطقة، بما أن غزة جارة لمصر وتأثرت بشكل كبير بالأزمة هناك. في ظل هذه التطورات،
تعرضت مصر لضغوط متزايدة للتدخل بشكل أكبر في الساحة الدولية والمحلية. من بين القضايا التي تساهم في تعميق الشقاق بين تركيا ومصر هي مسألة لجوء ممثلي جماعة الإخوان المسلمين إلى تركيا. على الرغم من أن تركيا توفر لهم اللجوء بشكل مشابه للدول الغربية، فإنها تتجنب استفزازهم سياسيًا. في هذا السياق،
قد يسهم تطبيع العلاقات بين تركيا ومصر في تخفيف حدة المعارضة، كما حدث خلال فترة أنور السادات، أو قد تقوم تركيا بدور الوسيط في حل هذه القضية.
على الرغم من تضييق العلاقات الدبلوماسية بين تركيا ومصر في الفترة الأخيرة، فإن العلاقات الاقتصادية بين البلدين لم تتأثر. تواصل تركيا استيراد مجموعة متنوعة من المنتجات من مصر،
بما في ذلك السلع الصناعية والاستهلاكية، فضلاً عن الغاز الطبيعي والمنتجات الغذائية. من ناحية أخرى، تواجه مصر تحديات اقتصادية كبيرة وتسعى للاستفادة من الإنتاج التركي والإمكانات الاستثمارية لتعزيز اقتصادها.
في الوقت نفسه، ترى تركيا في مصر بوابة استراتيجية إلى أفريقيا والعالم العربي، حيث يقترب إجمالي عدد السكان من 200 مليون نسمة، مما يعزز الإمكانيات التجارية بين البلدين.