مقالات ورأى

على درة يكتب : ماذا فقد المجتمع المصري بغياب الإخوان المسلمين؟

بدايةً، دعني أخبرك أنَّك حرٌّ في مشاعرك تجاه الإخوان المسلمين، حُبًّا لهم أو كرهًا، فهذا قرارك وأنت حرٌّ فيه، لكنني سأحاول أن أكون موضوعيًّا معتمدًا في هذه الدراسة المبسطة على التاريخ والإحصائيات ومشاهد الواقع.

تُعدُّ جماعة الإخوان المسلمين واحدة من أقدم وأكبر الحركات الإسلامية في العالم العربي، وكانت لها تأثيرات عميقة على الحياة السياسية والاجتماعية في مصر منذ تأسيسها في عام 1928. ومع تغييب الإخوان في مصر منذ عام 2013، شهد المجتمع المصري تغييرات كبيرة في العديد من الجوانب. لكن السؤال الذي يُطرح اليوم هو: ماذا فقد المجتمع المصري بغياب الإخوان؟

  1. التأثير الاجتماعي والاقتصادي والديني

تاريخيًا، لعبت جماعة الإخوان المسلمين دورًا كبيرًا في العمل الاجتماعي والديني داخل المجتمع المصري. كانت الجماعة تقدم خدمات اجتماعية متنوعة، بما في ذلك الرعاية الصحية والتعليم والمساعدات الخيرية للفقراء.

فلا أحد ينكر العيادات الطبية والمستشفيات والقوافل الطبية المجانية، ولا أحد ينكر مدارس الإخوان وتأثيرها على العملية التربوية، ولا أحد ينكر معارض السلع التي كان يقوم بها المنتمون للجماعة بهدف تخفيف عبء الغلاء عن المواطنين. وكذلك الدور الاقتصادي الهام لرجال الأعمال الإخوان في شتى المجالات الاقتصادية.

كل ذلك كان على سبيل المثال وليس الحصر. ومع غياب الإخوان، فقد المجتمع المصري جزءًا من هذا الدور الذي كانت تؤديه الجماعة، حيث كانت توفر شبكات دعم اجتماعي وديني تعتمد عليها فئات عديدة من المجتمع المصري.

ويكفي على المستوى الاجتماعي أن أعطيك نموذجًا يعكس تراجع حالة المجتمع المصري؛ حيث تقول الإحصائيات المصرية الرسمية إن عدد حالات الطلاق عام 2013 كان حوالي 155 ألف حالة، بينما بلغ عام 2023 حوالي 270 ألف حالة، بزيادة 75%.

  1. التمثيل السياسي للإسلاميين

غياب الإخوان من الساحة السياسية أدى إلى تراجع التيارات الإسلامية بشكل عام في المؤسسات التشريعية والتنفيذية في البلاد. فقد كان الإخوان يمثلون التيار الإسلامي الأكبر في البرلمان والنقابات،

وكانوا يعبرون عن تطلعات جزء كبير من الشعب المصري الذين يرون في الإسلام مرجعية سياسية وثقافية. غياب هذا التمثيل أدى إلى تقليص الفرص المتاحة للإسلاميين للمشاركة في الحياة السياسية الرسمية. طبعًا تم ترك مساحة مهمشة للتيار السلفي ممثلًا في حزب النور، ولكن الواقع أثبت أن هذا التيار لا وجود له ولا تأثير.

  1. الخطاب الديني والسياسي

من الناحية الفكرية، أسهم غياب الإخوان في تقليص الخطاب الذي يربط بين الدين والسياسة والحياة، خاصة فيما يتعلق بقضايا الواقع المصري وكذلك هموم الأمة الإسلامية مثل قضية فلسطين.

كما كانت الجماعة تقدم رؤيتها الخاصة للدين كمرجع في التشريع والسياسة والحياة، وهو ما تراجع بغيابهم، ما أدى إلى إعادة تشكيل النقاش العام حول دور الدين في الحياة العامة والسياسية.

ولسد هذا الفراغ المؤثر، لجأت الدولة إلى ترك مساحة كبيرة للتيار الصوفي، بل ومكنته من مؤسسات دينية رسمية مثل وزارة الأوقاف، وأصبحت الهوية الرسمية للدولة هي هذا التيار المتصوف الذي يدور في فلك الدولة دون تأثير واقعي على حياة المواطن كما كان يفعل الإخوان.

  1. الحراك السياسي والاجتماعي

كانت جماعة الإخوان المسلمين تمثل واحدة من القوى الرئيسية في تنظيم الحراك السياسي والاجتماعي في مصر. بغيابهم، تراجعت قدرة القوى الإسلامية وغير الإسلامية على تنظيم أي فعاليات تتضامن وتعبر عن أي قضية،

وأحداث طوفان الأقصى خير شاهد. فقد كان الشارع المصري مغيّبًا عن التعبير عن أي تضامن مع فلسطين، وهذا لم يكن ليحدث في وجود الإخوان.

  1. تراجع القيم الأخلاقية وزيادة معدل الجريمة

يكفي أن تعرف أن حالات محاولات الانتحار الآن في مصر حوالي 3000 حالة سنويًّا، وهذا يمثل زيادة تقترب من الضعف منذ عشر سنوات، ويُرجع السبب في ذلك إلى زيادة البطالة والاكتئاب وعدم القدرة على مواجهة ضغوط ومتطلبات الحياة.

ومع غياب القيم الدينية المتوازنة، زادت حالات الإلحاد وانتشار الرذيلة. هذه الأمور كانت محدودة في فترة انتشار الإخوان في كل الأحياء والقرى والنجوع والمساجد، حيث كانت دعوتهم إلى الوسطية والقيم والأخلاق الإسلامية ذات تأثير قوي وفعال على سلوكيات المجتمع المصري.

الخاتمة

يمكن القول إن غياب جماعة الإخوان المسلمين عن الساحة المصرية قد أثَّر بشكل عميق على المجتمع في عدة مجالات، سواء على مستوى التمثيل السياسي، أو الخطاب الديني، أو الحراك الاجتماعي. لقد كانت جماعة الإخوان بما تحمله من فكر وسطي معتدل تعبر عن هوية الكثير من أبناء الشعب المصري

. ولا يمكن اعتبار غياب الإخوان إلا نقطة ضعف في الواقع المصري سيظل يعاني منه. ويجب على العقلاء في الشأن المصري أن يدركوا أن الإخوان قوة للدولة المصرية، ويجب إعادة التفكير في هذا الملف من أجل إعادة الإخوان حتى لو كان ذلك بتوافق يمكن الذهاب إليه بما يحقق المصلحة للجميع.

أعلم أن البعض يعتبر ذلك خيالًا وصعبًا في ظل لغة التخوين والتشكيك، ولكنني أقول إن دوام الحال من المحال. والإخوان ليسوا أعداء للوطن، بل هم نسيج وطني مهم لا يمكن إبعاده أو تغييبه. والخير للجميع أن يتم التوافق والتعايش وفق أجندة هدفها مصالح الوطن والمواطن

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button