دراسة بحثية.. “يحيى السنوار” زعيم جديد لحماس في مواجهة تحديات إقليمية ودولية
في ظل الأوضاع الراهنة وتداعيات التوترات الإقليمية والدولية، قدم الأستاذ الدكتور حسين مرجان، رسالة تحليلية شاملة ترجمتها أخبار الغد، تستعرض مسار الأحداث والتحديات المستقبلية التي تواجه القضية الفلسطينية وحركة حماس بعد انتخاب يحيى السنوار زعيماً جديداً للحركة.
سلط الدكتور مرجان الضوء على الأبعاد السياسية والعسكرية لهذا الانتخاب، وكيفية تأثيره على توازن القوى في المنطقة، فضلاً عن العلاقات الإقليمية والدولية لحماس. الرسالة تعكس تحليلاً متكاملاً يستشرف المستقبل، ويقدم نظرة استشرافية حول قدرة السنوار على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية وتوجيه بوصلة المقاومة في مرحلة تاريخية حساسة.
المقدمة
في خضم أحداث متسارعة ومتوترة شهدتها المنطقة، أعلنت حركة حماس في 6 أغسطس 2024 انتخاب يحيى السنوار زعيمًا جديدًا لها، بعد اغتيال إسماعيل هنية في طهران أثناء حضوره حفل تنصيب الرئيس الإيراني الجديد. هذا القرار الذي جاء بسرعة وبإجماع أعضاء مجلس شورى الحركة، يشير إلى توجه جديد ومواجهة مختلفة في سياسة حماس، وإلى الدور المحوري الذي قد يلعبه السنوار في رسم ملامح المقاومة الفلسطينية في المرحلة القادمة.
لماذا السنوار؟
برز اسم يحيى السنوار كخيار طبيعي لقيادة الحركة بعد مقتل هنية، وذلك نظراً لمكانته الكبيرة في صفوف حماس وسجله الطويل في المقاومة. السنوار، الذي قضى سنوات طويلة في سجون الاحتلال الإسرائيلي حيث تعلم اللغة العبرية واطلع على تفاصيل النظام السياسي الإسرائيلي، يُعتبر من أكثر قادة حماس تأثيراً على الأرض. يتسم بالقدرة على الدمج بين النشاط السياسي والعسكري، وهو ما جعله أحد العقول المدبرة خلف عمليات حماس الكبرى مثل عملية “طوفان الأقصى”.
اختيار السنوار كزعيم جديد يعكس توجهاً نحو تعزيز الطابع العسكري للحركة مع المحافظة على الدبلوماسية السياسية التي أرساها هنية ومشعل من قبله. هذا التوازن قد يمكن حماس من مواجهة التحديات الداخلية والخارجية، خاصة مع تعاظم الضغوط الدولية على المقاومة الفلسطينية.
التحديات والمخاطر المحتملة
يعرف السنوار بأنه شخصية مثيرة للجدل بسبب مواقفه الحازمة تجاه دولة الاحتلال وعلاقاته الوثيقة مع إيران. هذه العلاقة قد تكون سلاحاً ذا حدين، فمن جهة، يوفر الدعم الإيراني لحماس قدرات عسكرية ولوجستية كبيرة، ومن جهة أخرى، قد يتسبب ذلك في تزايد العزلة الدولية للحركة بسبب توتر العلاقات بين طهران والدول الغربية.
كما أن التحدي الأكبر الذي سيواجهه السنوار هو الحفاظ على تماسك الجبهة الداخلية للحركة في غزة والضفة الغربية، خاصة في ظل التوترات التي قد تنشأ بين الجناحين السياسي والعسكري. بصفته قائداً عسكرياً بارزاً، قد يجد صعوبة في التعامل مع الضغوط السياسية التي ستفرضها المرحلة المقبلة، خاصة في ظل احتمالات التصعيد من جانب الاحتلال الإسرائيلي.
حماس في عصر جديد: العلاقات الإقليمية والعالمية
من المتوقع أن يحافظ السنوار على الخط العام الذي سارت عليه حماس في السنوات الأخيرة، ولكن مع تعديلات تكتيكية تهدف إلى تحقيق توازن بين المقاومة المسلحة والمناورات الدبلوماسية. قد يسعى إلى تعزيز العلاقات مع إيران وتركيا وقطر، مع الحفاظ على قنوات الاتصال مع مصر لتجنب تصعيد الأزمات الإنسانية في غزة.
العلاقة مع الدول الغربية ستكون تحدياً آخر، حيث تواجه حماس محاولات مستمرة لعزلها سياسياً. سيكون على السنوار أن يثبت للعالم أن حماس ليست مجرد حركة مسلحة، بل كيان سياسي قادر على التفاوض والدخول في حوارات بناءة. قد يسعى إلى تعزيز العلاقات مع روسيا والصين كبديل للدعم الغربي، مستفيداً من تنامي الدور الصيني في الشرق الأوسط.
هل يستطيع السنوار أن يصبح عرفات الجديد؟
يتساءل البعض عما إذا كان السنوار قادراً على تحقيق تأثير يشبه تأثير ياسر عرفات، الزعيم التاريخي للنضال الفلسطيني. يتمتع السنوار بكاريزما وجاذبية شعبية كبيرة، إلا أن التحديات التي يواجهها تختلف جذرياً عن تلك التي واجهها عرفات. بينما كان عرفات يعمل على بناء هوية وطنية فلسطينية في ظل الاحتلال، يواجه السنوار اليوم تحديات الحفاظ على مقاومة مسلحة فعالة في ظل بيئة سياسية وعسكرية معقدة.
إذا تمكن السنوار من الحفاظ على توازن بين العمل السياسي والعسكري، ومنع الانقسامات الداخلية، فقد يصبح بالفعل رمزاً جديداً للمقاومة الفلسطينية. إلا أن نجاحه في ذلك يعتمد بشكل كبير على مدى قدرته على التعامل مع الضغوط الإقليمية والدولية وعلى رؤيته المستقبلية لحركة حماس في ظل التحولات السياسية في المنطقة.
خاتمة
يحيى السنوار، الزعيم الجديد لحركة حماس، يقف أمام تحديات كبيرة، من بينها الحفاظ على وحدة الحركة، مواجهة الضغوط الإسرائيلية، وإدارة علاقات معقدة مع الدول الإقليمية والدولية. في ظل هذه الظروف، يعتمد نجاحه على مدى قدرته على تحقيق التوازن بين مختلف جوانب القيادة، وتحديد اتجاه واضح لحماس في المرحلة المقبلة.
مع صعود السنوار، تدخل حماس حقبة جديدة قد تعيد تشكيل السياسة الفلسطينية وترسم مستقبل الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي. من غير الممكن التنبؤ بما سيؤول إليه الوضع، ولكن من المؤكد أن السنوار سيكون شخصية محورية في هذا المشهد، وسيظل تحت المجهر، في الداخل والخارج، كقائد قادر على تغيير قواعد اللعبة.