تقارير

فساد شركات المقاولات في بناء المدارس بالوادي الجديد: هل ستنهار المدارس على الطلاب

في قلب الصحراء الغربية، حيث يمتد الوادي الجديد بأراضيه الفسيحة، تبرز المدارس كمؤسسات تعكس آمال مجتمعاتها. ولكن، في السنوات الأخيرة، طفو على السطح قضايا خطيرة تتعلق بفساد شركات المقاولات التي توقفت عندها الحكومة لتشيد هذه الصروح التعليمية.

استخدام مواد بناء غير مطابقة للمواصفات أصبح يشكل خطرًا حقيقيًا يهدد حياة الطلاب، وجعل مئات العائلات تعيش في حالة من القلق المستمر.

وفي هذا السياق موقع “أخبار الغد” يتناول تفاصيل هذا الفساد، ويكشف عن أصوات المواطنين والخبراء الذين يرون حقيقةً تزعزع الثقة في نظام التعليم.

الواقع المرير للمدارس

تجولنا في عدد من المدارس الجديدة التي تم إنشاؤها في الوادي الجديد، وظهر لنا بلاشك أن العديد من تلك المؤسسات التعليمية تعاني من تدهور ملحوظ في البنية التحتية.

وتحدثت مع سلمي محمد، معلمة في مدرسة “النهضة” الابتدائية، عن مخاوفها. حيث قالت: “بمجرد أن نبدأ العمل في الفصول، نجد أن العديد من الجدران تتشقق،

والسقف يبدو وكأنه قد ينهار في أي لحظة. الأمر يثير قلقنا بشكل كبير ويجعلنا نتساءل: هل نحن هنا لنعلم أطفالنا أم لنخاطر بحياتهم؟”.

شهادات من الداخل

واصلنا الحديث مع عدد من أولياء الأمور الذين أعربوا عن استيائهم من الوضع. حيث قال نبيل عبد الله، والد أحد الطلاب: “لم أكن أعتقد أن الحكومة ستسمح ببناء مدارس بهذا الشكل.

إنني أخشى على مستقبل أولادي، وأقول دائمًا: هل سيتعلمون في جدران تهدد حياتهم؟”.

بينما أضافت هالة نوح، أم لطالبين، قائلة: “أستغرب كيف يمكن للمسؤولين أن يتجاهلوا سلامة مستقبل أطفالنا، والاهتمام فقط بكيفية إنجاز المشاريع بأقل تكلفة”.

أسباب المشكلة

تشير التقارير إلى أن الفساد المالي في شركات المقاولات هو القاسم المشترك وراء هذه الكوارث.

انطلقنا للبحث في هذه القضايا، ووجدنا أن العديد من الشركات قد استثمرت في تقليص الميزانيات عبر استخدام مواد غير مطابقة للمواصفات.

الدكتور فؤاد السعيد، خبير البناء والتشييد، تحدث إلى “أخبار الغد“: “لم تعد المقاولات تسعى إلى الجودة بقدر ما تحاول تقليل التكاليف. إذا كنت تتحدث عن معايير بناء، فغالباً ما يتم تجاهلها بهدف الربح السريع”.

تداعيات الفساد على العملية التعليمية

الآثار المترتبة على هذا الفساد تتجاوز سلامة البناء، حيث إنها تؤثر على العملية التعليمية بالكامل.

وإذ تشتكي المعلمات من صعوبة التواصل مع الطلاب بسبب الضجيج الصادر عن المباني المتداعية.

وأكدت مُعلمة في مدرسة “الأمل” تدعى عفاف زكي: “نواجه صعوبة في تقديم الدروس بشكل جيد،

وعبثًا نحاول تحقيق نتائج إيجابية. الأطفال مشغولون بالخوف، ونحن هنا نتعامل مع أزمة حقيقية”.

التقارير الرسمية والانتهاكات

على الرغم من وجود تقارير رسمية تتحدث عن انتهاكات في معايير البناء، إلا أن كثيرًا من هذه الوثائق تُحجب أو لا تؤخذ بعين الاعتبار.

وفي لقاء مع أحد المهندسين المعماريين الذين طلبوا عدم ذكر أسمائهم، اكتشفنا أن “هناك ضغوطاً كبيرة من أصحاب الشركات للتغاضي عن المعايير.

إننا في واقع مؤلم حيث يخشى الكثير من المهندسين من فقدان وظائفهم إن أشاروا إلى الفساد”.

الرأي العام والمطالبات الشعبية

مظاهر الغضب العام تنتهيبتز عمق المشكلة. نشطت العديد من المجموعات المحلية للمطالبة بفتح تحقيقات رسمية حول هذه الممارسات.

صرح سامي فريد، ناشط حقوقي، قائلاً: “نحن نشهد فضيحة مدوية تمثل تهديداً لحياة الطلاب. يجب على الحكومة أن تتدخل لحماية أبنائنا، وأن تُحاسب المسؤولين عن هذا الفساد”.

دور الحكومة والمسؤولين

يتساءل الكثيرون عن دور الحكومة في مواجهة هذه الانتهاكات. أين الرقابة؟ لماذا تُعطى العقود لشركات لا تتفق مع المعايير الأساسية لضمان سلامة البنية التحتية التعليمية؟

دكتور رامي الجوهري، محلل سياسي، أشار إلى أن “الأمر يتطلب الإرادة السياسية، ووجود قضاة مستعدين للوقوف ضد الفساد. كما يحتاج الأمر إلى تشجيع الصحافة الاستقصائية لتسليط الضوء على القضايا”.

شهادات رسمية

كانت لدينا فرصة للقاء مسؤول حكومي من وزارة التربية والتعليم، حيث تحدث سيد حسن، مدير المكتب الفني، قائلاً: “نحن نعلم بوجود مشاكل، ونعمل على تحسين المراقبة.

لكن علينا أن نكون واقعيين؛ تغيير الثقافة المؤسسية يستغرق وقتًا”. ومع هذا، فإن الكثير من المواطنين يشعرون بأن المجاملات لا تكفي، ويجب اتخاذ خطوات حقيقية.

مقترحات للإصلاح

للخروج من هذه الدائرة المفرغة من الفساد، يجب تبني خطوات جذرية للتحسين. يأتي الاقتراح الأول من الدكتور محمود جميل، خبير التعليم: “لابد من إنشاء لجنة

مستقلة لمراجعة جميع المشاريع التعليمية التي تم إنشاؤها، وتقديم توصيات بهذا الشأن. يجب أن يبدأ هذا من الصفر”.

كما أضافت هالة نوح: “يجب على المجتمع أيضًا أن يتعاطف مع حقوق الطلاب، ويعمل على تأمين بيئات تعليمية آمنة. علينا التكاتف معًا للمطالبة بحقوق أطفالنا”.

المجتمع في الوادي الجديد ينتظر جهدًا حقيقيًا لمواجهة الفساد

ينتظر المجتمع في الوادي الجديد جهدًا حقيقيًا لمواجهة الفساد المستشرى في قطاع التعليم. وإن مستقبل الطلاب يتوقف على الوعي الجماعي واستجابة الحكومة لمطالب الشعب.

وإن الأمل في تجديد البنية التحتية التعليمية يبدأ بخطوات بسيطة، ولكنها أساسية؛ تأمين حياة الطلاب وضمان معرفتهم في بيئة تعليمية صحية وآمنة.

فلربما، إذا اتحدت الأصوات والمطالب، سيمكن إحداث التغيير العظيم الذي يحتاجه المجتمع التعليمي.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى